للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت أول رقعة كتبها البديع إلى الخوارزمي عند وروده نيسابور [١] : «أنا لقرب الأستاذ أطال الله بقاءه: كما طرب النشوان مالت به الخمر.

ومن الارتياح للقائه: كما انتفض العصفور بلله القطر.

ومن الامتزاج بولائه: كما التقت الصهباء والبارد العذب.

ومن الابتهاج بمزاره: كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب.

فكيف ارتياح الأستاذ لصديق طوى إليه ما بين قصبتي العراق وخراسان بل [ما بين] عتبتي الجبل ونيسابور، وكيف اهتزازه لضيف في بردة حمال وجلدة جمال:

رث الشمائل منهج الأثواب ... بكرت عليه مغيرة الأعراب

كمهلهل وربيعة بن مكدّم ... وعتيبة بن الحارث بن شهاب

وهو وليّ إنعامه بانفاذ غلامه الى مستقرّي، لأفضي إليه بما عندي إن شاء الله تعالى وحده.

ثم اجتمع إليه فلم يحمد لقيه فانصرف عنه وكتب إليه [٢] : الأستاذ- والله يطيل بقاءه، ويديم تأييده ونعماءه- أزرى بضيفه أن وجده يضرب آباط القلة في أطمار الغربة، فأعمل في ترتيبه أنواع المصارفة، وفي الاهتزاز له أصناف المضايقة، من إيماء بنصف الطرف، وإشارة بشطر الكفّ، ودفع في صدر القيام عن التمام، ومضغ الكلام وتكلّفه لرد السلام، وقد قبلت هذا الترتيب صعرا، واحتملته وزرا، واحتضنته نكرا، وتأبطته شرا، ولم آله عذرا، فإن المرء بالمال وثياب الجمال، وأنا مع هذه الحال وفي هذه الأسمال أتقزز صفّ النعال، ولو حاملته العتاب وناقشته الحساب وصدقته المصاع لقلت: إن بوادينا ثاغية صباح وراغية رواح، وقوما يجرّون المطارف ولا يمنعون المعارف [٣] :

وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل

على مكثريهم حقّ من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل


[١] ورد بعض هذه الرسالة في ما تقدم.
[٢] الرسائل: ٣١.
[٣] ديوان زهير: ١١٣، ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>