للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو طوّحت بالأستاذ أيدي الغربة إليهم لوجد منال البشر قريبا، ومحطّ الرّحل رحيبا، ووجه المضيف خصيبا، ورأيه- أيده الله، في أن يملأ من هذا الضيف أجفان عينه ويوسع أعطاف ظنه، ويجيبه بموقع هذا العتاب الذي معناه ود، والمر الذي يتلوه شهد، موفق إن شاء الله تعالى.

الجواب من الخوارزمي:

إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرّك مني من خلق

فهمت ما تناوله سيّدي من خشن خطابه ومؤلم عتبه وعتابه، وصرفت ذلك منه إلى الضجر الذي لا يخلو منه من نبا به دهر ومسّه من الأيام ضر، والحمد لله الذي جعلني موضع أنسه، ومظنّة مشتكى ما في نفسه. أما ما شكاه سيدي من مضايقتي إياه- زعم- في القيام وتكلّفي لردّ السلام، فقد وفّيته حقّه كلاما وسلاما وقياما على قدر ما قدرت عليه ووصلت إليه، ولم أرفع عليه غير السيد أبي القاسم [١] ، وما كنت لأرفع أحدا على من أبوه الرسول وأمه البتول، وشاهداه التوراة والانجيل، وناصراه التأويل والتنزيل، والبشير به جبرائيل وميكائيل. وأما عدم الجمال ورثاثة الحال فما يضعان عندي قدرا ولا يضرّان نجرا، وإنما اللباس جلدة والزيّ حلية بل قشرة، وإنما يشتغل بالجلّ من لا يعرف قيمة الخيل، ونحن بحمد الله نعرف الخيل عارية من جلالها، ونعرف الرجال بأقوالها وأفعالها، لا بآلاتها وأحوالها. وأما القوم الذين صدر سيدي عنهم وانتمى اليهم ففيهم لعمري فوق ما وصف: حسن عشرة وسداد طريقة وجمال تفصيل وجملة، ولقد جاورتهم فنلت المراد وأحمدت المراد:

فإن أك قد فارقت نجدا وأهله ... فما عهد نجد عندنا بذميم

والله يعلم نيتي للأحرار عامة [٢] ولسيدي من بينهم خاصة، فإن أعانني على مرادي له ونيتي فيه بحسن العشرة بلغت له بعض ما في المنية [٣] وجاوزت مسافة القدرة، وإن قطع علي طريق عزمي [٤] بالمعارضة وسوء المؤاخذة صرفت عناني عن


[١] الرسائل: الا السيد أبا البركات.
[٢] الرسائل: للأخوان كافة.
[٣] الرسائل: الفكرة.
[٤] الرسائل: عشرتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>