للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون الفصل، فلما أملى أبو جعفر «ذيل المذيل» ذكر أبا حنيفة وأطراه وقال: كان فقيها عالما ورعا، فتكلم الصواف في ذلك الوقت فيه لأجل مدحه لأبي حنيفة وانقطع عنه وبسط لسانه فيه. قال أبو بكر ابن كامل: من سبقك إلى إكفار أهل الأهواء؟ قال فقال: إماما عدل عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان. وكان إذا عرف من إنسان بدعة أبعده واطرحه، وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خمّ وقال: إنّ علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خمّ، وقال هذا الإنسان في قصيدة مزدوجة يصف فيها بلدا بلدا ومنزلا أبياتا يلوّح فيها إلى معنى حديث غدير خم فقال:

ثم مررنا بغدير خم ... كم قائل فيه بزور جم

على عليّ والنبيّ الأمي

وبلغ أبا جعفر ذلك، فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن أبي طالب، وذكر طرق حديث خم، فكثر الناس لاستماع ذلك، واجتمع قوم من الروافض ممن بسط لسانه بما لا يصلح في الصحابة رضي الله عنهم، فابتدأ بفضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم سأله العباسيون في فضائل العباس، فابتدأ بخطبة حسنة وأملى بعضه، وقطع جميع الإملاء قبل موته وكان يظنّ أن فيه لجاجة؛ قال أبو بكر ابن كامل: ولم يكن فيه ذلك، وقد كان رجع إلى طبرستان فوجد الرفض قد ظهر، وسبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهلها قد انتشر، فأملى فضائل أبي بكر وعمر حتى خاف أن يجري عليه ما يكرهه، فخرج منها من أجل ذلك.

وقال عبد العزيز بن محمد الطبري: أخبرني غير واحد من أصحابنا أنه رأى عند أبي جعفر شيخا مسنّا، فقام له أبو جعفر وأكرمه، ثم قال أبو جعفر: إن هذا الرجل ناله فيّ ما قد صار له عليّ به الحقّ الكثير، وذلك أني دخلت إلى طبرستان، وقد شاع سبّ أبي بكر وعمر فيهما، فسألوني أن أملي فضائلهما ففعلت، وكان سلطان البلدة يكره ذلك، فاجتمع إليه من عرّفه ما أمليته، فوجّه إليّ، فبادر هذا وأرسل إليّ من أخبرني أني قد طلبت، فخرجت من وقتي عن البلد ولم يشعر بي، وحصل هذا في أيديهم فضرب بسببي ألفا.

قال: وكان شديد التوقي والحذر والنزاهة والورع، يدلّ على ذلك ما أودعه

<<  <  ج: ص:  >  >>