«كتاب آداب النفوس» المنبه على دينه وفضله. ومع ما كان فيه من الاشتغال بالتصانيف والحديث والاملاء لا بد له مع ذلك من حزبه من القرآن، ويقال إنه كان يقرأ كلّ ليلة ربعا أو حظا وافرا.
قال عبد العزيز بن محمد: وكان أبو جعفر ظريفا في ظاهره، نظيفا في باطنه، حسن العشرة لمجالسيه، متفقدا لأحوال أصحابه، مهذبا في جميع أحواله، جميل الأدب في مأكله وملبسه وما يخصه في أحوال نفسه، منبسطا مع إخوانه حتى ربما داعبهم أحسن مداعبة، وربما جيء بين يديه بشيء من الفاكهة فيجري في ذلك المعنى ما لا يخرج من العلم والفقه والمسائل حتى يكون كأجدّ جدّ وأحسن علم.
وكان إذا أهدى إليه مهد هدية مما يمكنه المكافأة عليه قبله وكافأه، وإن كانت مما لا يمكنه المكافأة عليها ردها واعتذر إلى مهديها. ووجه إليه أبو الهيجاء ابن حمدان ثلاثة آلاف دينار، فلما نظر إليها عجب منها ثم قال: لا أقبل ما لا أقدر على المكافأة عنه، ومن أين لي ما أكافىء عن هذا؟ فقيل: ما لهذا مكافأة إنما أراد التقرب الى الله عزّ وجل بهذا، فأبى أن يقبله وردّه إليه.
وكان يختلف إليه أبو الفرج ابن أبي العباس الأصبهاني الكاتب يقرأ عليه كتبه، فالتمس أبو جعفر حصيرا لصفّة له صغيرة، فدخل أبو الفرج الأصفهاني وأخذ مقدار الصفّة واستعمل له الحصير متقربا بذلك له وجاءه به، وقد وقع موقعه، فلما خرج دعا ابنه ودفع إليه أربعة دنانير، فأبى أن يأخذها وأبى أبو جعفر أن يأخذ الحصير إلا بها.
وأهدى إليه أبو المحسن المحرر جاره فرخين فأهدى اليه ثوبا.
وقال أبو الطيب القاسم بن أحمد بن الشاعر [و] سليمان بن الخاقاني: أهدى أبو علي محمد بن عبيد الله الوزير إلى أبي جعفر محمد بن جرير برمّان فقبله وفرقه في جيرانه، فلما كان بعد أيام وجّه اليه بزنبيل فيه بدرة فيها عشرة آلاف درهم وكتب معها رقعة وسأله أن يقبلها. قال سليمان، قال لي الوزير: إن قبلها وإلا فسلوه أن يفرّقها في أصحابه ممن يستحق فصرت بالبدرة إليه، فدققت الباب، وكان يأنس إليّ، وكان أبو جعفر إذا دخل منزله بعد المجلس لا يكاد يدخل إليه أحد لتشاغله بالتصنيف إلا في أمر مهم، قال: فعرفته أني جئت برسالة الوزير، فأذن لي فدخلت وأوصلت إليه الرقعة،