فقال: يغفر الله لنا وله، اقرأ عليه السلام وقل له: ارددنا إلى الرمان، وامتنع من قبول الدراهم، فقلت له: فرّقها في أصحابك على من يحتاج إليها ولا تردّها، فقال:
هو أعرف بالناس إذا أراد ذلك. وأجاب عن الرقعة وانصرفت. قال أبو الطيب وسليمان: فلما كان بعد مدة قدم الحاجّ وكان يأتيه مال ضيعته معهم، فربما جيء إليه بالشيء فجعله بضاعة، فدعانا وإذا بين يديه شيء مشدود، فقال: امضيا بهذا إلى الوزير واقرءا عليه السلام وأوصلا إليه هذه الحزمة والرقعة، قالا: فصرنا إليه ولا نعرف ما فيها، فلما قرأ الرقعة وإذا فيها «إنه قد أنفذ اليه شيء من طبرستان فآثر إنفاذه إليه» قال فتقدم إلى من فتحه، فإذا فيه سمور حسن، فقوّم له ذلك أربعين دينارا، ولم يجد بدا من قبوله، وكان داعيا إلى امتناعه من الاهداء إليه.
قال: وقد كان يمضي إلى الدعوة يدعى إليها وإلى الوليمة يسأل فيها، ويكون ذلك يوما مشهودا من أجله وشريفا بحضوره، وكان يخرج مع بعضهم إلى الصحراء فيأكل معهم.
قال ابن كامل، قال لي أبو عليّ محمد بن إدريس الجمال، وكان من وجوه الشهود بمدينة السلام: حضرنا يوما مع أبي جعفر الطبري وليمة، فجلست معه على مائدة، فكان أجمل الجماعة أكلا وأظرفهم عشرة، قال: وحضر جماعة من الغلمان على رؤوسنا لسقي الماء والخدمة، قال: فرأيت بعض الغلمان قد مدّ عينه إلى بعض ما قدّم إلينا، فأخذت لقمة فناولتها الغلام، قال فزبرني أبو جعفر وقال: من أذن لك أن تأكل أو تطعم؟ قال: فأخجلني.
قال ابن كامل: ما رأيت أظرف أكلا من أبي جعفر، كان يدخل يده في الغضارة فيأخذ منها لقمة، فإذا عاد بأخرى كسح باللقمة ما التطخ من الغضارة باللقمة الأولى، فكان لا يلتطخ من الغضارة إلا جانب واحد. وكان إذا تناول اللقمة ليأكل سمّى ووضع يده اليسرى على لحيته ليوقيها من الزهومة، فإذا حصلت اللقمة في فيه أزال يده.
قال أبو بكر ابن كامل، قال لنا أبو بكر ابن مجاهد: كان أبو جعفر ربما خرج إلى الصحراء فنخرج معه، فدعانا يوما أبو الطيب ابن المغيرة الثلاج، وكان جارا لأبي جعفر، في محلة ببغداد، فجاء بنا الى قراح باقلّى فأكلنا وأكل أبو جعفر أكلا فيه إفراط، ورأينا من حسن عشرته وانبساطه أمرا عظيما، ثم انصرفنا، فصرت إليه