للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأعرف خبره من تعبه وما أكله، فإذا بين يديه أدوية وجوارشنات يأكل منها ليدفع بها ضرر ما كان أكله. وكان إذا جلس لا يكاد يسمع له تنخم ولا تبصّق ولا يرى له نخامة، وإذا أراد أن يمسح ريقه أخذ ذؤابة منديله ومسح جانبي فيه. قال أبو بكر ابن كامل: ولقد حرصت مرارا أن يستوي لي مثل ما يفعله ويتعذر عليّ اعتياده.

قال: وما سمعته قطّ لاحنا ولا حالفا بالله عز وجل.

قال: وكان لا يأكل الدسم، وإنما كان يأكل اللحم الأحمر الصرف، ولا يطبخه الا بالزبيب، وكان يقول: السمين يلطّخ المعدة؛ وكان يتجنب السمسم والشهد ويقول: إنهما يفسدان المعدة ويغيران النكهة، ويقول: إن التمر يلطخ المعدة ويضعف البصر ويفسد الأسنان ويفعل في اللحم كذا وكذا، فقال له أبو علي الصواف: أنا آكله طول عمري ولا أرى منه إلا خيرا، فقال أبو جعفر: وما بقي على التمر أن يعمل بك أكثر مما عمل. قال: وكان الصواف قد وقعت أسنانه، وضعف بصره، ونحف جسمه، وكثر اصفراره.

قال: وكان أبو جعفر كبير اللحية، حسن القيام على نفسه، لا يأكل من الخبز إلا السميد لأجل غسل القمح لأنّ من مذهبه أن الشمس والنار والريح لا تطهّر نجسا، وكان ربما أكل شيئا من العنب الرازقي والتين الوزيري والرطب، وربما أخذ له من اللبن الحليب من غنم ترعى فيصفّى ويجعل في قدر على النار حتى يذهب منه جزء ثم يثرد في الاناء ويصبّ عليه اللبن الحارّ ويدعه حتى يبرد ويطرح عليه الصعتر وحبة السوداء والزيت، وكان يكثر من الاسفيذباج والزيرباج، وكان ربما أكل بالحصرم في وقته، وكان لا يعدم في الصيف الحيس والريحان واللينوفر، فإذا أكل نام في الخيش في قميص قصير الأكمام مصبوغ بالصندل وماء الورد، ثم يقوم فيصلي الظهر في بيته، ويكتب في تصنيفه إلى العصر، ثم يخرج فيصلّي العصر ويجلس للناس يقرىء ويقرأ عليه إلى المغرب، ثم يجلس للفقه والدرس بين يديه إلى عشاء الآخرة، ثم يدخل منزله وقد قسم ليله ونهاره في مصلحة نفسه ودينه والخلق كما وفقه الله عز وجل.

وكان أبو الطيب الثلاج قد سأله أن يجعل شربه الماء من عنده، لأنه كان يكره الثلج، وكان له كراز يدفئه فيه. وكان أبو القاسم سليمان بن فهر الموصلي يهدي له

<<  <  ج: ص:  >  >>