للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من معاتبته واستعادته، ومؤاخذته إذا جفا واستزادته، وأعفى نفسه من كلف الفضل يتجشمها، فليس إلا غصص الشوق أتجرعها، وحلل الصبر أتدرّعها، فلم أعره من نفسي، وأنا لو أعرت جناحي طائر لما رنّقت إلا إليه، ولا حلّقت إلا عليه [١] :

أحبّك يا شمس النهار وبدره ... وإن لا مني فيك السّها والفراقد

وذاك لأن الفضل عندك باهر ... وليس لأن العيش عندك بارد

جواب الخوارزمي عنها:

شريعة ودّي لسيدي- أدام الله عزه- إذا وردها صافية، وثياب بري إذا قبلها ضافية، هذا ما لم يكدّر الشريعة بتعنته وتعصّبه، ولم تخرّق الثياب بتجنيه وتسحّبه، فأما الإنصاف في الإخاء فهو ضالّتي عند الأصدق، ولا أقول [٢] :

وإني لمشتاق إلى ظلّ صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه

فإن قائل هذا البيت قاله والزمان زمان، والاخوان إخوان، وحسن العشرة سلطان، ولكني أقول: وإني لمشتاق إلى ظلّ:

رجل يوازنك المودّة جاهدا ... يعطي ويأخذ منك بالميزان

فإذا رأى رجحان حبّة خردل ... مالت مودّته مع الرجحان

وقد كان الناس يقترحون الفضل فأصبحنا نقترح العدل، وإلى الله المشتكى لا منه. ذكر الشيخ سيدي- أيده الله- حديث الاستقبال، وكيف يستقبل من انقضّ علينا انقضاض العقاب الكاسر، ووقع بيننا وقوع السهم العائر:

وتكليفك المرء ما لا يطيق ... يجوز على مذهب الأشعري

وقد زاد سيدي على أستاذه الأشعري، فإن أستاذه كلّف العاجز ما لا يطيق مع عجزه عنه، وسيدي كلّف الجاهل علم الغيب مع الاستحالة منه. والمنزل بما فيه قد عرضته عليه، ولو أطقت حمله لحملته إليه، والشوق الذي ذكره سيدي فعندي منه الكثير الكبير، وعنده منه الصغير اليسير، وأكثرنا شوقا أقلّنا عتابا وأليننا خطابا. ولو


[١] الشعر للمتنبي، انظر ديوانه. ٣١٤.
[٢] البيت لأبي العتاهية، الأغاني ١١: ٣٢٦ غنى فيه علويه للمأمون، وانظر الصداقة والصديق للتوحيدي:
٥٠- ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>