عطف صفحي عنه، ثم قلت: يا هذا إن جاءك رجل شريف في نسبه تجاهلت نسبه، أو عظيم في أدبه صغّرت أدبه، أو متقدّم عند سلطانه لم تعرف موضعه، فهل العزّ تراث لك دون غيرك؟ كلا والله، لكنك مددت الكبر سترا على نقصك، وضربته رواقا دون جهلك. فعاد إلى الاعتذار، وأخذت الجماعة في تليين جانبي والرغبة إليّ في قبول عذره واعتماد مياسرته، وأنا آبى إلا استشراء واجتراء، وهو يؤكد الأقسام ويواصلها أنه لم يعرفني، فأقول: يا هذا ألم يستأذن لي عليك باسمي ونسبي؟ أما في هذه العصابة من يعرّفك بي لو كنت جهلتني؟ وهب أن ذلك كذلك، ألم ترني ممتطيا بغلة رائعة يعلوها مركب ثقيل، وبين يديّ عدة من الغلمان؟ أما شاهدت لباسي؟ أما شممت نشر عطري؟ أما راعك شيء من أمري أتميز به في نفسك من غيري؟ وهو في أثناء ما أكلمه يقول: خفّض عليك، ارفق، استأن، فأصحب جانبي بعض الإصحاب، ولان شماسي بعض الليان، وأقبل عليّ وأقبلت عليه ساعة ثم قلت:
أشياء تختلج في صدري من شعرك احبّ أن أراجعك فيها. قال: وما هي؟ قلت:
خبرني عن قولك:
فإن كان بعض الناس سيفا لدولة ... ففي الناس بوقات لها وطبول
أهكذا تمدح الملوك؟ وعن قولك:
ولا من في جنازتها تجار ... يكون وداعهم نفض النعال
أهكذا تؤبن أخوات الملوك [والله لو كان هذا في أدنى عبيدها لكان قبيحا] وأخبرني عن قولك:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
أهكذا تنسب بالمحبوبين؟ وعن قولك في هجاء ابن كيغلغ:
وإذا أشار محدثا فكأنه ... قرد يقهقه أو عجوز تلطم
أما كان لك في أفانين الهجاء التي تصرّفت فيها الشعراء مندوحة عن هذا الكلام الرذل الذي ينفر عنه كلّ طبع ويمجّه كل سمع؟ وعن قولك:
وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا