أفتعلم مرئيا يتناوله النظر لا يقع عليه اسم شيء؟ وما أراك نظرت إلا إلى قول جرير:
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكرّ عليهم ورجالا
فأحلت المعنى عن جهته وعبرت عنه بغير عبارته، وعن قولك:
أليس عجيبا أنّ وصفك معجز ... وأن ظنوني في معاليك تظلع
فاستعرت الظلع لظنونك، وهي استعارة قبيحة، وتعجبت من غير متعجب لأن من أعجز وصفه لم يستنكر قصور الظنون وتحيرها في معاليه، وإنما نقلته- وأفسدته- من قول أبي تمام:
ترقّت مناه طود عزّ لو ارتقت ... به الريح فترا لانثنت وهي ظالع
وعن قولك تمدح كافورا:
فإن نلت ما أملت منك فربما ... شربت بماء يعجز الطير ورده
إنها مدح أو ذم؟ قال: مدح، قلت: انك جعلته بخيلا لا يوصلك إلى خيره من جهته، وشبهت نفسك في وصولك إلى ما وصلت إليه منه بشربك من ماء يعجز الطير ورده لبعده وترامي موضعه.
وأخبرني أيضا عن قولك في صفة كلب وظبي:
فصار ما في جلده في المرجل ... فلم يضرنا معه فقد الأجدل
فأيّ شيء أعجبك من هذا الوصف: أعذوبة عبارته أم لطف معناه؟ أما قرأت رجز ابن هانىء وطرد ابن المعتز؟ أما كان هناك من المعاني التي ابتدعها هذان الشاعران وغرر المعاني التي اقتضباها ما تتشاغل به عن بنيّات صدرك هذه؟ وألا اقتصرت على ما في أرجوزتك هذه من الكلام السليم ولم تسفّ إلى هذه الألفاظ القلقة والأوصاف المختلقة.
فأقبل عليّ ثم قال: أين أنت من قولي:
كأن الهام في الهيجا عيون ... وقد طبعت سيوفك من رقاد
وقد صغت الأسنة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد