الفضلاء اجتمعوا في مجلس وكلّ منهم يكره ابن الخصيب لما كان فيه من الفدامة والجهالة والتغفل، فتجاذبوا أطراف الملح في ذمه، فقال أحدهم: كان جهله غامرا لعقله وسفهه قاهرا لحلمه، وقال آخر: لو كان دابة لتقاعس في عنانه وحرن في ميدانه، وقال آخر: كنت إذا وقع لفظه في سمعي أحسست النقصان في عقلي، وقال بعض كتابه: كنت أرى قلم ابن الخصيب يكتب بما لا يصيب، ولو نطق لنطق بنوك عجيب. وقال إبراهيم بن المدبر: كنت يوما عنده فقدم الطعام وفيه هليون فأكبّ عليه، فقلت له: أراك راغبا في الهليون، فقال: إنه يزيد في الباه. وقال آخر: لو غابت عنه العافية لنسيها.
وقال أبو العيناء في آخر هذا التصنيف: كان ابن الخصيب إذا ناظر شغب، وربما رفس من ناظره إذا عجز عن الجواب وخفي عليه الصواب واستولت عليه البلادة وعري كلامه عن الافادة، وكان إن دنوت منه غرّك، وان بعدت عنه ضرّك، فحياته لا تنفع وموته لا يضرّ.
وقال الخطيب في تاريخه «١» اخبرنا الأزهري أخبرنا محمد بن جعفر التميمي، أخبرنا الصولي عن أبي العيناء قال: كان سبب تحولي من البصرة أني رأيت غلاما ينادى عليه بثلاثين دينارا يساوي ثلاثمائة دينار، فاشتريته، وكنت أبني دارا فأعطيته عشرين دينارا لينفقها على الصناع، فأنفق عشرة واشترى بعشرة ملبوسا له، فقلت: ما هذا؟
فقال: لا تعجل فان أرباب المروءات لا يعيبون على غلمانهم هذا، فقلت في نفسي: أنا اشتريت الأصمعيّ ولم أدر. ثم أردت ان أتزوج امرأة سرا من بنت عمي فاستكتمته، ودفعت إليه دينارا يشتري به حوائج وسمك هازبى، فاشترى غيره فغاظني، فقال: رأيت بقراط يذم الهازبى، فقلت: يا ابن الفاعلة لم أعلم أني اشتريت جالينوس، فضربته عشر مقارع فأخذني وضربني سبعا وقال: يا مولاي الأدب ثلاث وإنما ضربتك سبعا قصاصا، قال: فرميته فشججته فذهب إلى بنت عمي وقال: الدين النصيحة ومن غشّنا فليس منا، إن مولاي قد تزوج واستكتمني فقلت:
لا بدّ من تعريف مولاتي الخبر فضربني وشجني، فمنعتني بنت عمي دخول الدار