وحدث محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا القاسم مكي بن عبد السلام الرميلي يقول: كان سبب خروج أبي بكر الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبيّ صبيح الوجه- وقد سمّاه مكي أنا نكّبت عن ذكره- فتكلّم الناس في ذلك، وكان أمير البلدة رافضيا متعصبا، فبلغته القصة، فجعل ذلك سببا للفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذه بالليل ويقتله، وكان صاحب الشرطة من أهل السنة، فقصده صاحب الشرطة تلك الليلة مع جماعة من أصابه ولم يمكنه أن يخالف الأمير، فأخذه وقال له: قد أمرت بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة، إلا أني أعبر بك على دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي، فإذا حاذيت الباب فادخل الدار، فإني أرجع إلى الأمير وأخبره بالقصة، ففعل ذلك ودخل دار الشريف، وذهب صاحب الشرطة إلى الأمير وأخبره الخبر، فبعث الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال الشريف: أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، ولكن ليس في قتله مصلحة، هذا رجل مشهور بالعراق وإن قتلته قتل به جماعة من الشيعة بالعراق وخرّبت المشاهد، قال:
فما ترى؟ قال: أرى ان يخرج من بلدك، فأمر باخراجه فخرج إلى صور وبقي بها مدة إلى أن رجع إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات.
ومن شعر الخطيب أيضا:
قد شاب رأسي وقلبي ما يغيّره ... كرّ الدهور عن الإسهاب في الغزل
وكم زمانا طويلا ظلت أعذله ... فقال قولا صحيحا صادق المثل
حكم الهوى يترك الألباب حائرة ... ويورث الصبّ طول السقم والعلل
وحبّك الشيء يعمي عن مقابحه ... ويمنع الأذن أن تصغي إلى العذل
لا أسمع العذل في ترك الصبا أبدا ... جهدي فما ذاك من همي ولا شغلي
من ادّعى الحبّ لم تظهر دلائله ... فحبّه كذب قول بلا عمل
وله أيضا:
تغيّب الخلق عن عيني سوى قمر ... حسبي من الخلق طرا ذلك القمر
محلّه في فؤادي قد تملّكه ... وحاز روحي وما لي عنه مصطبر
فالشمس أقرب منه في تناولها ... وغاية الحظّ منها للورى النظر