للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وان أنا متّ فاكتب حول قبري ... محبّ مات من هجر الحبيب

رقيب واحد تنغيص عيش ... فكيف بمن له مائتا رقيب

ثم تركنا وقام يعدو إلى باب الدير وهو مغلق دونه، وانصرفنا عنه. وما زال كذلك زمانا، ثم وجد في بعض الأيام ميتا إلى جانب الدير، وكان أمير البلد يومئذ العباس بن كيغلغ، فلما اتصل ذلك به وبأهل الرها خرجوا إلى الدير وقالوا: ما قتله غير الرهبان، وقال لهم ابن كيغلغ: لا بدّ من ضرب رقبة الغلام واحراقه بالنار، ولا بد من تعزير جميع الرهبان بالسياط، وتصعّب في ذلك، فافتدى النصارى نفوسهم وديرهم بمائة ألف درهم. وكان الغلام بعد ذلك إذا دخل الرها لزيارة أهله صاح به الصبيان: يا قاتل سعيد الوراق، وشدّوا عليه بالحجارة يرجمونه، وزاد عليه الأمر في ذلك حتى امتنع من دخول المدينة، ثم انتقل إلى دير سمعان وما أدري ما كان منه.

ومثل هذه الحكاية خبر مدرك بن علي الشيباني [١] ، وكان مدرك شاعرا أديبا فاضلا، وكان كثيرا ما يلم بدير الروم ببغداد ويعاشر نصاراه، وكان بدير الروم [٢] غلام من أولاد النصارى يقال له عمرو بن يوحنا، وكان من أحسن الناس وجها وأملحهم صورة وأكملهم خلقا، وكان مدرك بن علي يهواه، وكان لمدرك مجلس يجتمع فيه الأحداث لا غير، فإن حضر شيخ أو ذو لحية قال له مدرك: انه قبيح بك ان تختلط مع الأحداث والصبيان، فقم في حفظ الله، فيقوم. وكان عمرو ممن يحضر مجلسه، فعشقه وهام به، فجاء عمرو يوما إلى المجلس فكتب مدرك رقعة وطرحها في حجره، فقرأها فإذا فيها:

بمجالس العلم التي ... بك تمّ حسن جموعها

إلا رثيت لمقلة ... غرقت بفيض دموعها

بيني وبينك حرمة ... الله في تضييعها


[١] انظر تزيين الأسواق ٢: ٣٤١ وورد طرف من القصة في مصارع العشاق ١: ٢٤٢، ٢: ٢٥٨.
[٢] ذكر ياقوت دير الروم (معجم البلدان ٢: ٦٦٢) وقال: بيعة كبيرة حسنة البناء محكمة الصنعة للنسطورية خاصة، وهي ببغداد في الجانب الشرقي منها، وتجاورها بيعة لليعقوبية حسنة المنظر عجيبة البناء، ثم ذكر لمدرك بن علي شعرا في التغزل بذوي الوجوه الحسان في دير الروم.

<<  <  ج: ص:  >  >>