للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطأ عند الجميع، أما على مذهب الكسائي فإنه لا يولي الفعل فعلا، فأما على مذهب الفراء فإن يقوم عنده صلة للرجل والصلة لا تقدم على الموصول، وأما على مذهب سيبويه صاحبك فإنه لا يجوز لأنه ترجمة والترجمة إيضاح وتبيين للجملة التي تتقدمها ولا يجوز تقديمها عليها. فقال: أنا تارك للعربية فخذ فيما قصدت له، ففاتحته أيام الناس والأخبار والاشعار ففتحت به بسيح بحر.

وحدث قال، أخبرنا علي بن سليمان الأخفش قال: كنت يوما بحضرة ثعلب فأسرعت القيام قبل انقضاء المجلس، فقال: إلى أين؟ ما أراك تصبر عن مجلس الخلدي- يعني المبرد- فقلت له: لي حاجة، فقال لي إني أراه يقدم البحتريّ على أبي تمام، فإذا أتيته فقل له: ما معنى قول أبي تمام:

اآلفة النجيب كم افتراق ... أظلّ فكان داعية اجتماع

قال أبو الحسن: فلما صرت إلى أبي العباس المبرد سألته عنه فقال: معنى هذا أن المتحابّين العاشقين قد يتصارمان ويتهاجران إدلالا لا عزما على القطيعة، فإذا حان الرحيل وأحسّا بالفراق تراجعا إلى الودّ وتلاقيا خوف الفراق وأن يطول العهد بالالتقاء بعده، فيكون الفراق حينئذ سببا للاجتماع كما قال الآخر:

متّعا بالفراق يوم الفراق ... مستجيرين بالبكا والعناق

كم أسرّا هواهما حذر النا ... س وكم كاتما غليل اشتياق

فأظلّ الفراق فالتقيا فيه ... فراقا أتاهما باتفاق

كيف أدعو على الفراق بحتف ... وغداة الفراق كان التلاقي

قال: فلما عدت إلى ثعلب سألني عنه فأعدت عليه الجواب والأبيات فقال: ما أشد تمويهه، ما صنع شيئا، إنما معنى البيت أن الانسان قد يفارق محبوبه رجاء أن يغنم في سفره فيعود إلى محبوبه مستغنيا عن التصرف فيطول اجتماعه معه، ألا تراه يقول في البيت الثاني:

وليست فرحة الأوبات إلّا ... لموقوف على ترح الوداع

وهذا نظير قول الآخر، بل منه أخذ أبو تمام:

وأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا

<<  <  ج: ص:  >  >>