الموصلي المأمون أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم والأدب والرواة لا مع المغنين، فإذا أراد الغناء غنّاه، فأجابه إلى ذلك، ثم سأله بعد مدّة أن يكون دخوله مع الفقهاء، فأذن له في ذلك، فكان يدخل ويده في يد القضاة حتى يجلس بين يدي المأمون. ثم مضت مدة على ذلك فسأله في لبس السواد يوم الجمعة والصلاة معه في المقصورة، قال: فضحك المأمون وقال: ولا كلّ هذا يا إسحاق، قد اشتريت منك هذه المسألة بمائة ألف درهم، وأمر له بها.
وحدث المرزباني عن محمد بن عطية الشاعر قال «١» : كنت عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع إليه فيه أهل العلم، وحضره إسحاق، فجعل يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن واحتج، ثم تكلم في الشعر واللغة ففاق فيها من حضر، فأقبل على يحيى بن أكثم وقال: أعزّ الله القاضي أفي شيء مما ناظرتك فيه تقصير؟ قال: لا والله، قال: فما بالي أقوم بسائر العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فنّ واحد قد اقتصر الناس عليه؟ قال العطويّ: فالتفت إليّ يحيى بن أكثم وقال: جوابه في هذا عليك، قال- وكان العطوي من أهل الجدل والكلام- فالتفتّ إلى إسحاق وقلت: يا أبا محمد «٢» أخبرني إذا قيل من أعلم الناس بالشعر واللغة؟؟
أيقولون إسحاق أم الأصمعي وأبو عبيدة؟ فقال: بل الأصمعيّ وأبو عبيدة، قال: فإن قيل من أعلم الناس بالنحو؟ أيقولون إسحاق أم الخليل وسيبويه؟ قال: بل الخليل وسيبويه، قال: فإن قيل من أعلم الناس بالأنساب؟ أيقولون إسحاق أم ابن الكلبي؟
قال: بل ابن الكلبي، قال: فإن قيل من أعلم الناس بالكلام؟ أيقولون إسحاق أم أبو الهذيل والنظام؟ قال: بل أبو الهذيل والنظام، قال: فإن قيل من أعلم الناس بالفقه؟ أيقولون إسحاق أم أبو حنيفة وأبو يوسف؟ فقال: بل أبو حنيفة وأبو يوسف، قال: فإن قيل من أعلم الناس بالحديث؟ أيقولون إسحاق أم علي بن المديني ويحيى بن معين؟ قال: بل علي بن المديني ويحيى بن معين، قال: فإذا قيل من أعلم الناس بالغناء أيجوز أن يقول قائل فلان أعلم من إسحاق؟ قال: لا، قلت: