فمن ها هنا نسبت إلى ما نسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه وأنت في غيره لك نظراء، فضحك وقام وانصرف. فقال لي يحيى بن أكثم: لقد وفّيت الحجة وفيها ظلم قليل لإسحاق، لأنه ربما ماثل أو زاد على من فضّلته عليه وإنه ليقل في الزمان نظيره. وكان إسحاق قد روى الحديث عن جماعة منهم: أبو معاوية الضرير وهشيم وابن عيينة وغيرهم. وكان مع كراهيته للغناء أحذق خلق الله به ممن تقدّم وتأخر، وأشدّ الناس بخلا به على كل أحد حتى على جواريه وغلمانه ومن يأخذ عنه منتسبا إليه متعصبا له فضلا عن غيره، وهو الذي صحّح أجناس الغناء وطرائقه وميّزها تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله ولا تعلّق به أحد بعده، ولم يكن قديما مميّزا على هذا الجنس.
وكان «١» إبراهيم بن المهدي يأكل المغنين أكلا حتى يحضر إسحاق فيداريه إبراهيم ويطلب مكافأته، ولا يدع إسحاق تبكيته ومعارضته، وكان إسحاق آفته- كما إن لكل شيء آفة- وله معه عدة مشاهد.
قال إسحاق «٢» : كنت يوما عند الرشيد وعنده ندماؤه وخاصته، وفيهم إبراهيم ابن المهدي، فقال لي الرشيد: يا إسحاق تغنّ:
شربت مدامة وسقيت أخرى ... وراح المنتشون وما انتشيت
فغنيته، فأقبل عليّ إبراهيم بن المهدي فقال: ما أصبت يا إسحاق ولا أحسنت، فقلت له: ليس هذا مما تحسنه ولا تعرفه، وإن شئت فغنه، فإن لم أوجدك أنك تخطىء فيه منذ ابتدائك إلى انتهائك فدمي حلال، ثم أقبلت على الرشيد فقلت: يا أمير المؤمنين هذه صناعتي وصناعة أبي وهي التي قرّبتنا منك واستخدمتنا إليك وأوطأتنا بساطك، فإذا نازعناها أحد بلا علم لم نجد بدّا من الإيضاح والذبّ، فقال: لا غرو ولا لوم عليك، وقام الرشيد ليبول، فأقبل عليّ إبراهيم وقال: ويلك يا إسحاق تجترىء عليّ وتقول ما قلت يا ابن الزانية؟ فداخلني ما لم أملك نفسي معه فقلت له: أنت تشتمني ولا أقدر على إجابتك، وأنت ابن الخليفة وأخو الخليفة ولولا ذلك لقد كنت أقول لك: يا ابن الزانية كما قلت لي يا ابن الزانية، ولكنّ قولي في