للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسحاق الذي غذي به وهو صناعته، ثم تظنّ أنك تخطّئه فيما لا تدريه، ويدعوك إلى إقامة الحجة عليك فلا تثبت لذلك وتعتصم بشتمه، أليس هذا مما يدل على السقوط وضعف العقل وسوء الأدب من دخولك فيما لا يشبهك ثم إظهارك إياه ولم تحكمه؟! أليس تعلم ويحك أن هذا سوء رأي وأدب وقلة معرفة ومبالاة بالخطأ والتكذيب والردّ القبيح؟! ثم قال له: والله العظيم وحقّ رسوله الكريم وإلّا فأنا نفيّ من أبي لئن أصابه سوء أو سقط عليه حجر من السماء، أو سقط من دابته، أو سقط عليه سقف، أو مات فجأة لأقتلنك به، والله والله والله، وأنت أعلم فلا تعرض له؛ قم الآن فاخرج، فخرج وقد كاد يموت. فلما كان بعد ذلك دخلت عليه وإبراهيم عنده، فأعرضت عنه، فجعل الرشيد ينظر إليّ مرة وإلى إبراهيم أخرى ويضحك، ثم قال له: إني لأعلم محبّتك لإسحاق وميلك إليه والأخذ عنه، وإن هذا لا تقدر عليه كما تريد إلا أن يرضى، والرضى لا يكون بمكروه، ولكن أحسن إليه وأكرمه وبرّه وصله، فإذا فعلت ذلك ثم خالف ما تهواه عاقبته بيد منبسطة ولسان منطلق، ثم قال لي: قم إلى مولاك وابن مولاك فقبّل رأسه، فقمت إليه وأصلح بيننا.

وحدث «١» المبرّد قال: حدّثت عن الأصمعي قال: دخلت أنا وإسحاق بن إبراهيم يوما على الرشيد فرأيته لقس النفس، فأنشده إسحاق «٢» :

وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل

أرى الناس خلّان الكرام ولا أرى ... بخيلا له حتى الممات خليل

وانّي رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل

ومن خير أخلاق الفتى قد علمته ... إذا نال منها أن يقال «٣» ينيل

فعالي فعال الموسرين تكرّما ... ومالي كما قد تعلمين قليل

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل

<<  <  ج: ص:  >  >>