وحدث «١» إسحاق قال: ذكر المعتصم وأنا بحضرته يوما بعض أصحابه وقد غاب عنه، فقال: تعالوا حتى نقول ما يصنع في هذا الوقت، فقال قوم كذا وقال آخرون كذا، فبلغت النوبة إليّ فقال: قل يا إسحاق، قلت: إذا أقول فأصيب، قال: أتعلم الغيب؟ قلت: ولكني أفهم ما يصنع وأقدر على معرفته، قال: فإن لم تصب؟ قلت: وإن أصبت؟ قال: لك حكمك، وإن لم تصب؟ قلت: لك دمي قال: وجب، قلت: وجب، قال: فقل، قلت: يتنفس، قال: وإن كان ميتا؟
قلت: تحفظ الساعة التي تكلمت فيها، فإن كان مات قبلها أو فيها فقد قمرتني، قال: قد أنصفت، قلت: فالحكم، قال: فاحتكم ما شئت، قلت: ما حكمي إلا رضاك يا أمير المؤمنين، قال: فإن رضاي لك وقد أمرت لك بمائة ألف درهم، أترى مزيدا؟ فقلت: ما أولاك يا أمير المؤمنين بذاك، قال: فإنها مائتا ألف أترى مزيدا؟
فقلت: ما أحوجني إلى ذاك، قال: فإنها ثلاثمائة ألف، أترى مزيدا؟ قلت: ما أولاك يا أمير المؤمنين بذاك، فقال: يا صفيق الوجه ما نزيد على هذا.
وحدث «٢» إسحاق قال: كنت جالسا بين يدي الواثق وهو وليّ عهد إذ خرجت وصيفة من القصر كأنّها خوط بان، أحسن من رأته عيني، يقدمها «٣» عدة وصائف بأيديهن المذابّ والمناديل ونحو ذلك، فنظرت إليها نظر دهش وهو يرمقني «٤» ، فلما تبيّن إلحاح نظري إليها قال لي: ما لك يا أبا محمد، قد انقطع كلامك وبانت الحيرة فيك؟ فلجلجت، فقال: رمتك والله هذه الوصيفة فأصابت قلبك، فقلت: غير ملوم، فضحك وقال: أنشدني شيئا في هذا المعنى فأنشدته قول المرار:
ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما قالت متى أنت رائح
وآية ما قالت لهنّ عشيّة ... وفي الستر حرّات الوجوه ملائح