فقال الواثق: أحسنت وحياتي وظرفت، فاصنع فيه لحنا فإن جاء كما أريد فالوصيفة لك، فصنعت فيه لحنا وغنّيته إياه، فانصرفت بالجارية.
وحدث «١» إسحاق قال: غنّيت الواثق في شعر قلته عنده بسرّ من رأى وقد طال مقامي واشتقت إلى أهلي وهو:
يا حبّذا ريح الجنوب إذا بدت ... في الصبح وهي ضعيفة الأنفاس
قد حمّلت برد الندى وتحمّلت ... عبقا من الجثجاث والبسباس
فاستحسنه وقال لي: يا إسحاق لو جعلت مكان الجنوب شمالا ألم تكن أرقّ وأعذى وأصحّ للأجساد وأقلّ وخامة وأطيب للأنفس؟ فقلت: ما ذهب عليّ ما قاله أمير المؤمنين، ولكن التفسير فيما بعد وهو:
ماذا يهيج من الصبابة والهوى ... للصبّ بعد ذهوله والياس
فقال الواثق: فإنما استطبت ما تجيء به الجنوب لنسيم بغداد لا للجنوب، وإليهم إشتقت لا إليها، فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، وقمت فقبلت يده، فضحك وقال: قد أذنت لك بعد ثلاثة أيام فامض راشدا، وأمر لي بمائة ألف درهم.
وحدث «٢» إسحاق قال: ما وصلني أحد من الخلفاء قطّ بمثل ما وصلني به الواثق، ولا كان أحد يكرمني إكرامه، ولقد غنّيته:
لعلك إن طالت حياتك أن ترى ... بلادا بها مبدى لليلى ومحضر
فاستعاده مني جمعة «٣» لا يشرب على غيره، ثم وصلني بثلاثمائة ألف درهم.
ولقد استقدمني إليه فلما قدمت عليه قال لي: ويحك يا إسحاق أما اشتقت إليّ؟
فقلت: بلى والله يا سيدي، وقد قلت في ذلك أبياتا إن أمرتني أنشدتك إياها، قال:
هات فأنشدته:
أشكو إلى الله بعدي عن خليفته ... وما أعالج من سقم ومن كبر