لا أستطيع رحيلا إن هممت به ... يوما إليه ولا أقوى على السفر
أنوي الرحيل إليه ثمّ يمنعني ... ما أحدث الدهر والأيام في بصري
وإنما قال: ما أحدث الدهر والأيام في بصري، لأن إسحاق لما كبر ضعف بصره ثم أضرّ. واستأذنته في إنشاد قصيدة مدحته بها فأذن لي، فأنشدته «١» :
لما أمرت بإشخاصي إليك هفا ... قلبي حنينا إلى أهلي وأولادي
ثم اعتزمت ولم أحفل ببينهم ... وطابت النفس عن فضل وحمّاد
فلو شكرت أياديكم وأنعمكم ... لما أحاط بها وصفي وتعدادي
فقال أحمد بن إبراهيم لعلي بن يحيى، وقد أخبر بهذا الخبر: أخبرني لو قال الخليفة أحضرني فضلا وحمّادا أليس كان إسحاق يفتضح من دمامة خلقتهما وتجلّف «٢» شاهدهما؟! قال إسحاق «٣» : وانحدرت معه إلى النجف فقلت له: يا أمير المؤمنين قد قلت في النّجف قصيدة، قال: هاتها فأنشدته:
يا راكب العيس لا تعجل بنا وقف ... نحيّ دارا لسعدى ثم ننصرف
حتى انتهيت فيها إلى قولي:
لم ينزل الناس في سهل ولا جبل ... أصفى هواء ولا أعذى من النجف
حفّت ببرّ وبحر في جوانبها ... فالبرّ في طرف والبحر في طرف
وما يزال نسيم من يمانية ... يأتيك منها بريّا روضة أنف
ثم مدحته فقلت:
لا يحسب الجود يفني ماله أبدا ... ولا يرى بذل ما يحوي من السّرف
ومضيت فيها حتى أتممتها فطرب وقال: أحسنت والله يا أبا محمد، وكناني