رسوله صلى الله عليه وسلّم، أتحبّ أن تسمعه؟ قلت: أي والذي شرّفني بخطاب أمير المؤمنين وجميل رأيه، فقال: يا غلام هات العود وأعط إسحاق رطلا فدفع الرطل إليّ وضرب وغنّى في شعر لأبي العتاهية بلحن صنعه فيه:
أضحت قبورهم من بعد عزّتهم ... تسفي عليها الصّبا والحرجف الشّمل
لا يدفعون هواما «١» عن وجوههم ... كأنهم خشب بالقاع منجدل
فشربت الرطل ثم قمت ودعوت له، فأجلسني وقال: أتشتهي أن تسمعه «٢» ثانية؟ قلت: أي والله، فغنّانيه ثانية وثالثة وصاح ببعض خدمه وقال: احمل إلى إسحاق الساعة ثلاثمائة ألف درهم، قال: يا إسحاق قد سمعت ثلاثة أصوات وشربت ثلاثة أرطال وأخذت ثلاثمائة ألف درهم، فانصرف إلى أهلك مسرورا ليسرّوا معك، فانصرفت بالمال.
وحدث «٣» إسحاق بن إبراهيم قال: جاءني الزبير بن دحمان يوما مسلما فقلت له: إلى أين؟ فقال: إن الفضل بن الربيع أمرني أن أبكّر إليه لنصطبح، فقلت له:
أنت تعرف أن صبوح الفضل غبوق غيره، فأقم عندي نشرب، ثم قلت له:
أقم يا أبا العوّام ويحك نشرب ... ونله مع اللاهين يوما ونطرب
إذا ما رأيت اليوم قد بان خيره ... فخذه بشكر واترك الفضل يغضب
قال: فأقام عندي وسررنا يومنا، ثم صار إلى الفضل فسأله عن سبب تأخره عنه فحدثه الحديث وأنشده الشعر، فعتب عليّ وحوّل وجهه عني، وأمر عونا حاجبه بأن لا يدخلني ولا يستأذن لي عليه ولا يوصل لي رقعة إليه، فقلت وكتبت بها إلى الفضل «٤» :