يقول أناس شامتون وقد رأوا ... مقامي وإغبابي الرواح إلى الفضل
لقد كان هذا خصّ بالفضل مرّة ... فأصبح منه اليوم منصرم الحبل
ولو كان لي في ذاك ذنب علمته ... لقطّعت نفسي بالملامة والعذل
وتوصلت حتى عرضت الأبيات عليه، فلما قرأها قال: أعجب من ذنبه وأشدّ أنه لا يرى من نفسه ذنبا بذلك الفعل، فقلت في نفسي: لا أرى أمره يصلحه إلا حاجبه عون، فقلت لعون «١» :
عون يا عون ليس مثلك عون ... أنت لي عدة إذا كان كون
لك عندي والله إن رضي ... الفضل غلام يرضيك أو برذون
فقال: اكتب رقعة وقل شعرا لأعرضه لك عليه، فقلت «٢» :
حرام عليّ الراح ما دمت غضبانا ... وما لم يعد عني رضاك كما كانا
فأحسن فإني قد أسأت ولم تزل ... تعوّدني عند الإساءة إحسانا
قال: فأتى الفضل بالشعرين جميعا فقرأهما وضحك وقال: ويحك إنما عرّض بقوله: «غلام يرضيك» بالسوءة، فقال: قد وعدني بما قد سمعت فإن شئت أن تحرمنيه فأنت أعلم، فأمره أن يرسل إليّ، فأتاني رسوله فصرت إليه فرضي عني ووفيت لعون.
وحدث إسحاق قال «٣» : عتب عليّ جعفر بن يحيى وقال: إني لا أراك ولا تغشاني، فقلت: إني أتيتك كثيرا فيحجبني خادمك نافذ، فقال: إذا حجبك عني فنكه، فكتبت إليه بعد أيام:
جعلت فداءك من كلّ سوء ... إلى حسن رأيك أشكو أناسا
يحولون بيني وبين السلام ... فليس أسلّم إلّا اختلاسا