وعلمه وصدقه ويستحسن قوله:
هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إنّ عهدي بالنوم عهد طويل
غاب عنّي من لا أسمي فعيني ... كلّ يوم وجدا عليه تسيل
إنّ ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير ممن تحبّ القليل
وكان اسحاق إذا غنى هذه الأبيات تفيض عيناه ويبكي أحرّ بكاء فسئل عن بكائه فقال: تعشقت جارية فقلت لها هذه الأبيات ثم ملكتها وكنت مشغوفا بها حتى كبرت واعتلت عيني، فإذا غنيت هذا الصوت ذكرت أيامه المتقدمة، وأنا أبكى على دهري الذي كنت فيه.
قال إسحاق «١» وأنشدني بعض الأعراب لنفسه:
ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الغصن ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت بصوت أعجميّ فهيّجت ... من الوجد «٢» ما كانت ضلوعي أجنّت
فلو قطرت عين امرىء من صبابة ... دما قطرت عيني دما وأبلّت «٣»
فما سكتت حتى أويت لصوتها ... وقلت أرى هذي الحمامة جنّت
ولي زفرات لو يدمن قتلنني ... بشوق إلى هاتي «٤» التي قد تولّت
إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لي بأخرى في غد قد أظلّت
فيا منشر الموتى أعنّي على التي ... «٥» بها نهلت نفسي سقاما وعلّت
لقد بخلت حتى لو اني سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنّت
فقلت ارحلا يا صاحبيّ فليتني ... أرى كلّ نفس أعطيت ما تمنّت
حلفت لها بالله ما أمّ واحد ... إذا ذكرته آخر الليل أنّت