التمثيل بالحيوان لا يجوز وأمر بصبّ ما في القدح، وقال للغلام: انصرف عني ولا تدخل داري بعدها، وأقرّ رزقه عليه وقال: لا تدفع اليقين بالشكّ، والعقوبة بقطع الرزق نذالة.
قال: ودخل إلى الصاحب رجل لا يعرفه، فقال له الصاحب: أبو من؟ فأنشد الرجل:
وتتفق الأسماء في اللفظ والكنى ... كثيرا ولكن لا تلاقى الخلائق «١»
فقال له: اجلس يا أبا القاسم.
وكان يقول لجلسائه: نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان «٢» .
وحدث أبو الحسن النحوي قال «٣» : كان مكي المنشد قديم الصحبة والخدمة للصاحب، فأساء إليه غير مرة والصاحب يتجاوز له، فلما كثر ذلك منه أمر الصاحب بحبسه، فحبس في دار الضرب، وكانت في جواره، فاتفق أن الصاحب صعد يوما سطح داره وأشرف على دار الضرب فناداه مكي: فاطلع فرآه في سواء الجحيم
(الصافات: ٥٥) فضحك الصاحب وقال اخسؤا فيها ولا تكلمون
(المؤمنون: ١٠٨) ثم أمر باطلاقه.
ومن كتاب «أخلاق الوزيرين» لأبي حيان التوحيدي:
قال المؤلف: أما خبر أبي حيان مع ابن عباد فى ذكر في أخبار أبي حيان، وأما غيره فإن أبا حيان كان قصد ابن عباد إلى الري فلم يرزق منه، فرجع عنه ذامّا له، وكان أبو حيان مجبولا على الغرام بثلب الكرام، فاجتهد في الغضّ من ابن عباد، وكانت فضائل ابن عباد تأبى الا أن تسوقه إلى المدح وإيضاح مكارمه، فصار ذمّه له مدحا، فمن ذلك أن قال بعد أن فرغ من الاعتذار من التصدي لثلبه قال «٤» : فأول ما أذكر من ذلك ما أدلّ به على سعة كلامه، وفصاحة لسانه، وقوة جأشه، وشدة منّته،