وإن كان في فحواه ما يدل على رقاعته وانتكاث مريرته وضعف حوله وركاكة عقله وانحلال عقده: لما رجع من همذان سنة تسع وستين وثلاثمائة بعد أن فارق حضرة عضد الدولة استقبله الناس من الريّ وما يليها واجتمعوا بساوة، وكان قد أعدّ لكلّ واحد منهم كلاما يلقاه به عند رؤيته، فأول من دنا منه القاضي أبو الحسن الهمذاني «١» من قرية يقال لها أسد اباذ، فقال له: أيها القاضي ما فارقتك شوقا إليك، ولا فارقتني وجدا عليك، ولقد مرّت لي بعدك مجالس تقتضيك وتحظيك وترضيك، ولو شهدتني بين أهلها وقد علوتهم ببياني ولساني وجدلي وبرهاني لأنشدت قول حسان بن ثابت «٢» في ابن عباس وهو:
إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كلّ مجمعة فضلا
إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في النفوس ولم يدع ... لذي إربة في القول جدا ولا هزلا
سموت إلى العلياء من غير خفّة ... فنلت ذراها لا دنيّا ولا وغلا
ولذكرت أيضا أيها القاضي قول الآخر وأنشدته، فإنه قال في من وقف موقفي، وقرف مقرفي، وتصرّف تصرّفي، وانصرف منصرفي، واغترف مغترفي:
إذا قال لم يترك مقالا ولم يقف ... لعيّ ولم يثن اللسان على هجر
يصرّف بالقول اللسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر
ولقد أودعت صدر عضد الدولة ما يطيل التفاته إليّ ويكثر حسرته عليّ، ولقد رأى منّي ما لم ير قبله مثله ولا يرى بعده شكله، والحمد لله [الذي] أوفدني عليه على ما يسرّ الوليّ وأصدرني عنه على ما يسوء العدوّ، أيّها القاضي كيف الحال والنفس، [وكيف الامتاع والأنس] ، وكيف المجلس والدرس، وكيف القرص والجرس «٣» ، وكيف