الدسّ والدعس «١» ، وكيف الفرس والمرس «٢» . وكاد لا يخرج من هذا الهذيان لتهيجه واحتدامه وشدة خباله «٣» وغلوائه، والهمذاني مثل الفأرة بين يدي السنور، وقد تضاءل وقمؤ لا يصعد له نفس الا بنزع تذلّلا وتقلّلا، هذا على كبره [في مجلسه ونذالته] في نفسه. ثم نظر إلى الزعفرانيّ «٤» رئيس أصحاب الرأي فقال: أيها الشيخ سرّني لقاؤك، وساءني عناؤك، ولقد بلغني عدواؤك، وما خيّله إليك خيلاؤك، وأرجو ألّا أعيش حتى يردّ عليك غلواؤك، ما كان عندي أنك تقدم على ما أقدمت عليه، وتنتهي في عداوتك لأهل العدل والتوحيد إلى ما انتهيت إليه، ولي معك إن شاء الله نهار له ليل «٥» وليل يتبعه ليل، وثبور يتصل به ويل، وقطر يدفع ومعه «٦» سيل وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار
(الرعد: ٤٤) فقال له الزعفراني: حسبنا الله ونعم الوكيل. ثم أبصر أبا طاهر الحنفي فقال: أيها الشيخ ما أدري أشكوك أم أشكو إليك؟ أما شكواي منك، فإنك لم تكاتبني بحرف، كانّا لم نتلاحظ بطرف، ولم نتحافظ على إلف، ولم نتلاق على ظرف؛ وأما شكواي إليك فإني ذممت الناس بعدك، وذكرت لهم عهدك، وعرضت بينهم ودك، وقدحت عليهم زندك، ونشرت عليهم غرائب ما عندك، فاشتاقوا إليك بتشويقي، واستصفوك بترويقي «٧» . وأثنوا عليك بتنميقي وتزويقي «٨» ، وهكذا عمل الأحباب، إذا تناءت بهم الركاب، والتوت دونهم الأعناق، واضطرمت في صدورهم نار الاشتياق، فالحمد لله الذي أعاد الشعب ملتئما، والشمل منتظما، والقلوب وادعة، والأهواء جامعة، حمدا يتصل بالمزيد، على عادة السادة مع العبيد، عند كلّ قريب وبعيد. ثم التفت إلى ابن القطّان القزويني