الصاحب، ونصبت مائدة عظيمة في بيت طوله يزيد على خمسين ذراعا، وكانت بطول البيت، وأجلس عليه ستة أنفس، وكان فولاذ بن مانادر وكبات بن بلقسم في الصدر، وبجنب فولاذ أبو جعفر ابن الثائر العلوي، وبجنبه الآخر أبو القاسم ابن القاضي العلوي، ودون أحد العلويين كاكي بن يشكرزاد، ودون الآخر مرداويج الكلاري، ووقف أبو العباس الفيروزان وعبد الملك بن ما كان للخدمة، ووقف كافي الكفاة أيضا ساعة، ووقف جميع أكابر الكتاب والحجاب مثل الرئيس أبي العباس أحمد بن إبراهيم الضبي وأبي الحسين العارض وأخيه أبي علي وابنه أبي الفضل وأبي عمران الحاجب وغيرهم إلى أن فرغ القوم من الأكل، ثم أكل هؤلاء مع الصاحب على مائدة مفردة.
وأما قاضي القضاة والأشراف والعدول فإنهم أطعموا على مائدة أخرى في بيت آخر.
قال: وكان نصر بن الحسن بن الفيروزان، وهو خال فخر الدولة، مقداما شجاعا قليل المبالاة، قد استعصى على فخر الدولة واقتطع قطعة من بلاده وتغلب عليها، واحتال على جماعة من عساكره فقتلهم بأنواع القتل، ثم كسر له عدة عساكر، إلى أن تكاثرت عساكر فخر الدولة فكسرته وشتتت جموعه، وهرب نحو خراسان حتى صار إلى إسفرايين، ثم بدا له أن سلك طريق المفازة فيها حتى ورد الريّ ليلة الجمعة لست بقين من شوال سنة أربع وثمانين، وقصد في الليل باب كافي الكفاة مستجيرا به ومستعطفا له، فلم يلن له وردّ إلى دار بعض حجاب فخر الدولة فحبس فيها.
قال الوزير أبو سعد: وكنت في هذه الليلة بحضرة كافي الكفاة، فأتاه الحاجب وقد مضى هزيع من الليل، فأخبره بوقوف نصر بن الحسن بن الفيروزان على الباب خاشعا متضرعا، فرأيته قد تحيّر في الأمر ساعة ثم راسله بأن السلطان الأعظم- يعني فخر الدولة- ساخط عليك، ولا يجوز لي أن آذن لك في دخول داري إلا بعد أن تترضاه وتستعطف قلبه، فإذا عفا عنك ورجع لك فالدار بين يديك وأنا معين لك. فعاد الحاجب إليه بذلك ورجع فقال: إنه امتنع من العود وقال: إنما جئت إلى الصاحب لائذا به ومنقطعا إليه، ولا أعرف غيره، وهو يحتاج أن يدبّر أمري ويجيرني ويحامي عليّ ويذبّ عنّي، فرأيت الصاحب وقد ميّل رأيه بين إحدى خصلتين: إما أن يستمرّ على المنع ولا يأذن له، وإما أن يأذن له ويجعل داره بما فيها من الخزائن له، وينتقل هو إلى دار كانت لحاجبه الراوندي وكان قد أضافها بعد موت هذا الحاجب إلى داره.