ثم تقرر رأيه على صرفه، واستمرّ نصر على الالحاح في الخضوع والاجتهاد أن يأذن له في الدخول، وانتقل من الباب الكبير إلى باب الخاصة، وسأل واجتهد، إلى أن جاءه من قبل فخر الدولة علوسة الحاجب وحبسه وكان هذا الفعل من الصاحب مستهجنا تعجّب الناس منه، وتحدثوا به واستقبحوه مع ما اظهره نصر من الاستكانة والاستجارة به. وأظنّ أنه لم يفعل ذلك إلا لأنه جبن عن الاجتماع معه في دار واحدة مع العداوة المتأكدة بينهما والضغينة الراسخة في قلب كلّ واحد منهما.
ثم ذكر وفاة الصاحب في الوقت الذي ذكره غيره، وكما ذكرناه آنفا، ثم قال:
وتوفي فخر الدولة عشية يوم الثلاثاء عاشر شعبان، وكان مبلغ عمره أربعا وأربعين سنة وستة أشهر وأياما، ثم وصف أخلاقه وجيوشه وقلاعه وأمواله التي خلفها ثم قال: فاما أمر الوزارة في أيامه فكانت أشهر من أن يحتاج إلى ذكرها، فإن أوّل وزرائه كان كافي الكفاة، وأسنّة الأقلام وعذبات الألسنة تكلّ دون أيسر أوصافه وأدنى فضائله، ولولا ما آل إليه أمر الوزارة في هذه الأيام واعتقاد من لم يعلم حالها في ذلك الزمان بأن الأمر لم يزل على ما نراه أو قريبا منه وشبيها به لأمسكنا عن ذكره، ولكنا نذكر يسيرا من أحواله، فإن هؤلاء الذين ذكرناهم من أبناء الملوك والأمراء والقواد وسائر من ساواهم من الزعماء والكبار مثل أولاد مؤيد الدولة وابن عز الدولة ومنوجهر بن قابوس بن وشمكير وأبي الحجاج ابن ظهير الدولة وأسفهبذ بن أسفار وحسن بن وشمكير وفولاذ بن مانادر ونصر بن الحسن بن الفيروزان وحيدر بن وهسوذان وكيخسرو بن المرزبان بن السلار وجستان بن نوح بن وهسوذان وشيرزيل بن سلار بن شيرزيل، وكان في يد كلّ واحد من هؤلاء من الإقطاع ما يبلغ ارتفاعه خمسين الف دينار وما دونها إلى عشرين الف دينار، ومن اكابر القوّاد ما يطول تعدادهم يحضرون باب داره، فيقفون على دوابهم مطرقين لا يتكلم واحد منهم هيبة وإعظاما لموضعه، إلى أن يخرج أحد خلفاء حجابه، فيأذن لبعض أكابرهم ويصرفهم جملة، فكان من يؤذن له في الدخول يظنّ أنه قد بلغ الآمال ونال الفوز بالدنيا والآخرة، فرحا ومسرة وشرفا وتعظيما، فإذا حصل في الدار وأذن له في الدخول إلى مجلسه قبّل الأرض عند وقوع بصره عليه ثلاث مرات أو أربعا إلى أن يقرب منه فيجلس من كانت رتبته الجلوس، إلى أن يقضي كلّ واحد