منهم وطره من خدمته، ثم ينصرف بعد أن يقبّل الأرض أيضا مرارا. ولم يكن يقوم لأحد من الناس، ولا يشير إلى القيام، ولا يطمع منه أحد في ذلك. ونزل بالصيمرة عند عوده من الأهواز، فدخل عليه شيخ من زهاد المعتزلة يعرف بعبد الله بن اسحاق، فقام له، فلما خرج التفت كافي الكفاة وقال: ما قمت لأحد مثل هذا القيام منذ عشرين سنة، وإنما فعل ذلك به لزهده، فإنه كان أحد أبدال دهره، فأما العلم فقد كان يرى من هو أعلم منه فلا يحفل به؛ وأما هيبته في الصدور، ومخافته في القلوب، وحشمته عند الصغير والكبير والبعيد والقريب، فقد بلغت إلى أن كان صاحبه فخر الدولة ينقبض عن كثير مما يريده بسببه، ويمسك عما تشره إليه نفسه لمكانه، وقد ظهر ذلك للناس بعد موته وانبساط فخر الدولة فيما لم يكن من عادته، فعلم أنه كان يزمّ نفسه لحشمته، ثم كان يحله محل الوالد إكراما وإعظاما، ويخاطبه بالصاحب شفاها وكتابا، فأما أكابر الدولة فكان الواحد إذا رأى أحد حجابه، بل أحد الأصاغر من حاشيته، فإن فرائصه كانت ترتعد، وجوانحه كانت تصطفق، إلى أن يعلم ما يريده منه ويخاطبه به. وتظلمت إليه امرأة من صاحب لفولاذ بن مانادر، وذكرت أنه ينازعها في حقّ لها، فما زاد على أن التفت إلى فولاذ، وكان في موكبه يسير خلفه، فبهت وتحير وارتعد، ووقف ولم يبرح إلى أن سار كافي الكفاة، ثم أرسل مع المرأة من أرضاها وأزال ظلامتها، ومثل هذا كثير يطول الكتاب ببعضه، فكيف أن نوضع «١» في كله. وأما أسبابه وحاشيته وهيبته ورتبته فإن من أيسرها كان له عدة من الحجاب منهم من على مربطه ثلاثمائة رأس من الدوابّ أو ما يقاربها، وكانت أحوال بلكا الحاجب تزيد على ذلك زيادة كثيرة، فإنه كان على مربط خليفة له يعرف بيزد مئة «٢» من الخيل العتاق الموصوفة، وكان لا يستغني عنها لأنه كان موصوفا بحفظ الطرق وطلب الأكراد وأهل العيث وصيانة السابلة. وكان ما يخرج لكافي الكفاة في السنة في وجوه البرّ والصدقات والمبرّات وصلات الأشراف وأهل العلم والغرباء الزوّار ومن يجري مجرى ذلك مما يتكلفه ويريد به صيت الدنيا وأجر الآخرة يزيد على مائة الف دينار. وانتقلت الوزارة عنه إلى أبي العباس أحمد بن إبراهيم الضبي وأبي علي