الميكالي يسردها فزادني جريها على لسانه وصدورها عن فمه إعجابا بها وهي: كتابي هذا يا سيدي صدر من سحنة «١» وقد أرخى الليل سدوله، وسحب الظلام ذيوله، ونحن على الرحيل غدا إن شاء الله إذا مدّ الصباح غرره قبل أن يسبغ حجوله، ولولا ذلك لأطلته كوقوف الحجيج على المشاعر، ولم أقتصر منه على زاد المسافر، فإن المتحمّل له وسيع الحقوق لديّ، حقيق أن أتعب له خاطري ويديّ، وهو أبو عبد الله الحامدي- كان وافى مع ذلك الشيخ الشهيد أبي سعيد الشبيبي السعيد، رفع الله منازله، وقتل قاتله، بكتب له فأنسنا بفضله، وآنسنا الخير من عقله، فلما فجع بتلك الصحبة، وبما كان له فيها من القربة، لم يرض غير بابي مشرعا، وغير جنابي مرتعا، وقطع إليّ الطريق الشاقّ مؤكّدا حقا لا يشقّ فيه غباره، ولا ينسى على الزمان ذماره، فكنت على جناح هذه النهضة التي بنا لم يستقرّ نواها، ولم تلق عصاها.
فإحراج الحرّ المبتدىء الأمر، القريب العهد بوطأة الدهر، تحامل عليه بالمركب الوعر، فرددته إليك يا سيدي لتسهّل عليه حجابك، وتمهّد له جنابك، وتترصد [له] عملا خفيف الثقل، نديّ الظل، فإذا اتفق عرضته عليه، ثم فوضته إليه. وهو إلى أن يتّسق ذلك ضيفي وعليك قراه، وعندك مربعه ومشتاه، ويريد اشتغالا بالعلم يزيده استقلالا، إلى أن يأتيه إن شاء الله خبرنا في الاستقرار، ثم له الخيار: إن شاء أقام على ما ولّيته، وإن شاء التحق بنا ناشرا ما أوليته. وقد وقعت له إلى فلان بما يعينه على بعض الانتظار، إلى أن تختار له كلّ الاختيار، فأوعز إليه بتعجيله، واكفني شغل القلب بهذا الحرّ الذي أفردني بتأميله، إن شاء الله تعالى وحده.
وكتب «٢» إلى القاضي أبي بشر الفضل بن محمد الجرجاني عند وروده باب الري وافدا عليه: