للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأبي القاسم ابن أبي العلاء الأصفهاني يرثي الصاحب من قصيدة «١» :

ما متّ وحدك لكن مات من ولدت ... حوّاء طرّا بل الدنيا بل الدين

هذي نواعي العلا مذ متّ نادبة ... من بعد ما ندبتك الخرّد العين

تبكي عليك العطايا والصلات كما ... تبكي عليك الرعايا والسلاطين «٢»

قام السعاة وكان الخوف أقعدهم ... واستيقظوا بعد ما نام الملاعين

لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا ... مضى سليمان وانحلّ الشياطين

وكتب الصاحب الى أبي العلاء الأسدي من أجود أبياته «٣» :

يقرّ بعيني أن يلمّ رسولها ... ببابي ويهدي بالعشيّ سلامها

ويذكر لي دون الرجال حديثها ... وينشر عندي نطقها وكلامها

ورد يا شيخي- أطال الله بقاءك- رسولك بكتاب سبق الأفكار والظنون، وحسدت عليه القلوب العيون، وترك الواصفين بين قاصر ومقصّر. ومثّل ليالينا بين اللوى فمحجّر، بكلام كالورق النضير تتأوّه منه الغصون، وكالنور المنير أفنانه فنون، فصادفني حليفا للشوق أو رهينا، وحنينا على الحنين وساء قرينا، وكيف لا وقد ألفنا القرب حولا حولنا رياض الأدب ترفّ، ودوننا رواحل الفضل تزفّ، نملك رقاب المنطق، ونتنازع أطراف الكلام المنمّق، ونقطع الليالي تناشدا وتذاكرا، وتحادثا وتسامرا، إلى أن يخلع الظلام ثيابه، ويحدر المصباح نقابه، هذا دأبنا كان إلى أن جاوزنا الشباب مراحل، ووردنا من المشيب مناهل «٤» ، ثم حان الفراق فنحن حتى اليوم منه في جوّ كدر، ونجم منكدر، يقبضنا عن الموارد العذاب، ويعرضنا على لواعج العذاب، والله نسأل إعادة هاتيك الأحوال، وتلك الأيام الخضراء الظلال، وإن كان الله قد زادنا بعدك مناجح ومنائح، وأيادي غوادي وروائح، حتى فتحنا الفتوح، وذللنا القروح، ورتقنا الفتوق، ونسخنا الفروق، وأثرنا الآثار، ووطأنا الرقاب وطلبنا الثار، واصطنعنا الصنائع، وجعلنا ودائع النعم قطائع، وعقدنا في أعناق الأحرار مننا،

<<  <  ج: ص:  >  >>