وأحيينا من سبل الاحسان سننا، انا قد تحملنا مشاقّ مالت على القوة للضعف، وتحاملت على الأشدّ بالوهن، ودفعت الى معالجة خطوب تعجّب الدهر من صبرنا عليها فخار، وجبن الزمان عند شجاعتنا لها فحار، وها أنا أحوج ما كنت إلى أن أرفّه، ولا أستكره، وقد رميت بسهم الأربعين، وأرميت على شرف الخمسين، مدفوع الأشغال والأثقال إلى متاعب ومصاعب لو مني [بها] ابن ثلاثين قويا أزره طريّا حرصه، لقام عجزه وقعدت به نفسه، وأظنني كنت قديما قلت:
وقائلة لم عرتك الهموم ... وأمرك ممتثل في الأمم
فقلت دعيني وما قد عرا ... فان الهموم بقدر الهمم
وما على الراحة آسف بل على أن لا أكون مشغولا بأخرى أمهد لها وأكدح، وأدأب لنفسي وأنصح، اللهم وفّق وقدّر، وسهّل ويسّر، إنك على ما تشاء قدير.
والرسالة طويلة كتبت مقدمها.
ذكر محمد ما فعله الصاحب مع القاضي عبد الجبار بن أحمد من حسن العناية والتولية والتمويل، فلما مات الصاحب كان يقول «١» : أنا لا أترحّم عليه لأنه لم يظهر توبته، فطعن عليه في ذلك ونسب إلى قلّة الرعاية، لا جرم أنّ فخر الدولة قبض عليه بعد موت الصاحب، وصادره فيما قيل على ثلاثة آلاف ألف درهم، وعزله عن قضاء الري، وولّى مكانه القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني العلامة صاحب التصانيف والفضائل الجمة، وقد ذكرته أنا في بابه «٢» ، فقيل إن عبد الجبار باع ألف طيلسان مصري في مصادرته، وهو شيخ طائفتهم، يزعم أن المسلم يخلّد في النار على ربع دينار، وجميع هذا المال من قضاء الظلمة بل الكفرة عنده وعلى مذهبه، وإنما ذكرت هذا للاعتبار.
وقرأت في كتاب هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابىء قال: وكان الصاحب أبو القاسم يراعي من ببغداد والحرمين من أهل الشرف وذوي المآثر من السلف، وشيوخ الكتاب والشعراء، وأولاد الأدباء والزهاد والفقهاء، بما يحمله إليهم في كلّ