من الحواة، ومعه مستخدمون برسم الخدمة ونقل السلل وحطّها، وكان كل حاو في مصر وأعمالها يصيد له ما يقدر عليه من الحيات، ويتباهون في ذوات العجب من أجناسها وفي الكبار وفي الغريبة المنظر، وكان الوزير يثيبهم في ذلك أوفى الثواب ويبذل لهم الجزيل حتى يجتهدوا في تحصيلها، وكان له وقت يجلس فيه على دكة مرتفعة ويدخل المستخدمون والحواة، فيخرجون ما في السلل، ويطرحونه في ذلك الرخام، ويحرشون بين الهوام، وهو يتعجب من ذلك ويستحسنه، فلما كان ذات يوم أنفذ رقعة إلى الشيخ الجليل ابن المدبر «١» الكاتب، وكان من أعيان كتّاب أيامه «٢» ودولته، وكان عزيزا عنده، وكان يسكن في جوار دار ابن الفرات، يقول له فيها:
نشعر الشيخ الجليل- أدام الله سلامته- أنه لما كان البارحة وعرض علينا الحواة الحشرات، الجاري بها العادات، انسابت الى داره منها الحية البتراء وذات القرنين الكبرى والعقربان الكبير وأبو صوفة، وما حصلوا لنا بعد عناء ومشقة، وبجعلة بذلناها للحواة، ونحن نأمر الشيخ- وفقه الله تعالى- بالتقدم إلى حاشيته وصبيته بصون ما وجد منها إلى أن ننفذ الحواة لأخذها وردها إلى سللها. فلما وقف ابن المدبر على الرقعة قلبها وكتب في ذيلها: أتاني أمر سيدنا الوزير- أدام الله نعمته وحرس مدته- بما أشار إليه في أمر الحشرات، والذي يعتمد عليه في ذلك أن الطلاق يلزمه ثلاثا إن بات هو أو واحد من أهله في الدار، والسلام.
أنشدني أبو بكر ابن البر القيرواني «٣» التميمي لصالح بن مؤنس المصري يمدح بعض آل الفرات: