للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(١٠) الْعِلْمُ بِالْفُنُونِ وَالْعُلُومِ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي الْأُمَمِ الَّتِي تَوَجَّهُ إِلَيْهَا الدَّعْوَةُ وَلَوْ بِقَدْرِ

مَا يَفْهَمُ بِهِ الدُّعَاةُ مَا يُورَدُ عَلَى الدِّينِ مِنْ شُبُهَاتِ تِلْكَ الْعُلُومِ، وَالْجَوَابِ عَنْهَا بِمَا يَلِيقُ بِمَعَارِفِ الْمُخَاطَبِينَ بِالدَّعْوَةِ.

(١١) مَعْرِفَةُ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ وَمَذَاهِبِ الْأُمَمِ فِيهَا لِيَتَيَسَّرَ لِلدُّعَاةِ بَيَانُ مَا فِيهَا مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ بُطْلَانُ مَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ دَعَاهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ كُنْتُ كَتَبْتُ فِي سَنَةِ الْمَنَارِ الثَّالِثَةِ مَقَالَةً فِي الدَّعْوَةِ وَطَرِيقِهَا وَآدَابِهَا جَعَلْتُ فِيهِ هَذَا الشَّرْطَ وَمَا قَبْلَهُ وَاحِدًا، فَقُلْتُ فِيهِ (ص ٤٨٤ م ٣) " ثَالِثُهَا - أَيِ الشُّرُوطُ - الْوُقُوفُ عَلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَذَاهِبِ وَالتَّقَالِيدِ الدِّينِيَّةِ، وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الدُّنْيَوِيَّةِ، مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالدَّعْوَةِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً، وَمَنْ جَهِلَ هَذَا الْقَدْرِ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إِزَالَةِ الشُّبُهَاتِ، وَحَلِّ عُقَدِ الْمُشْكِلَاتِ، وَمَنْ فَاتَهُ هَذَا الشَّرْطُ وَمَا قَبْلَهُ - وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ - لَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ الْعُقُولِ وَالْأَحْلَامِ، كَمَا كَانَ شَأْنُ سَادَةِ الدُّعَاةِ - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَقَدْ عَلِمَ رُؤَسَاءُ الدِّيَانَةِ النَّصْرَانِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جَهْلِهِمْ بِالْعُلُومِ الْكَوْنِيَّةِ وَمُعَادَاتِهِمْ لَهَا، وَتَحْكِيمِهِمُ الدِّينَ فِيهَا مُؤْذِنٌ بِاضْمِحْلَالِهَا، وَمُفْضٍ إِلَى زَوَالِهَا، فَأَخَذُوا بِزِمَامِهَا، وَقَادُوهَا بِخِطَامِهَا، وَقَرَّبُوا بَيْنَ عَالَمَيِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، وَقَرَنُوا بَيْنَ عِلْمِيِ النَّاسُوتِ وَاللَّاهُوتِ، وَبِهَذَا أَمْكَنَهُمْ حِفْظُ حُرْمَةِ الدِّينِ، وَإِعْلَاءُ كَلِمَتِهِ بَيْنَ الْعَالَمِينَ.

وَدِينُنَا هُوَ الَّذِي رَبَطَ بَيْنَ الْعَالَمِينَ، وَلَكِنَّنَا نَقْطَعُ الرَّوَابِطَ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمَيْنِ وَلَكِنَّنَا نَهْدِمُ الْجَوَامِعَ، وَلِهَذَا جَهِلْنَا وَتَعَلَّمُوا، وَسَكَتْنَا وَتَكَلَّمُوا، وَتَأَخَّرْنَا وَتَقَدَّمُوا، وَنَقَصْنَا وَزَادُوا، وَاسْتُعْبِدْنَا وَسَادُوا ". اهـ.

كُلُّ هَذَا مِنَ الشُّرُوطِ الْعِلْمِيَّةِ، وَلِلدَّعْوَةِ شُرُوطٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِتَرْبِيَةِ الدُّعَاةِ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِي الدُّعَاةِ إِلَى الْحَقِّ سَنَشْرَحُهَا فِي تَفْسِيرِ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [١٦: ١٢٥] إِنْ أَمْهَلَ الزَّمَانُ. وَإِنَّ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِ فُنُونِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ

وَالْأُصُولِ لِأَجْلِ فَهْمِ الدِّينِ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِ طُرُقِ الدَّعْوَةِ وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِطَرِيقَةٍ صِنَاعِيَّةٍ، فَإِذَا كَانَتِ الدَّعْوَةُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَدْ تَيَسَّرَتْ بِغَيْرِ تَعْلِيمٍ صِنَاعِيٍّ وَلَا تَأْلِيفِ جَمْعِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا كَانَ فَهْمُ الدِّينِ مُتَيَسِّرًا بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ صِنَاعِيٍّ فَفِي هَذَا الزَّمَانِ يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الدِّينِ عَلَى التَّعْلِيمِ الصِّنَاعِيِّ، وَتَتَوَقَّفُ الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَمَا حَظَرَهُ مِنَ الْمُنْكَرِ عَلَى تَعْلِيمٍ خَاصٍّ وَتَأْلِيفِ جَمْعِيَّاتٍ خَاصَّةٍ تَقُومُ بِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَا يَنْتَشِرُ الدِّينُ وَلَا يُحْفَظُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا بِهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>