بِغَيْرِ حَقٍّ تُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ شَرِيعَتُهُمْ. وَفِي التَّنْصِيصِ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِمْ وَتَشْنِيعٌ عَلَى تَحَرِّيهِمُ الْبَاطِلَ وَكَوْنِ ذَلِكَ عَنْ عَمْدٍ لَا عَنِ الْخَطَأِ. ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ هَذَا الْكُفْرِ وَالْعُدْوَانِ الشَّنِيعِ فَقَالَ: ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ أَيْ جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ سَبْقُ الْمَعَاصِي وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى الِاعْتِدَاءِ فَتَدَرَّجُوا مِنَ الصَّغَائِرِ إِلَى الْكَبَائِرِ إِلَى أَكْبَرِ الْمُوبِقَاتِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْشِدِينَ وَالْهُدَاةِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَصَارَ هَذَا الْعِصْيَانُ وَالِاعْتِدَاءُ خُلُقًا لِلْأُمَّةِ وَطَبْعًا لَهَا يَتَوَارَثُهُ الْأَبْنَاءُ عَنِ الْآبَاءِ بِلَا نَكِيرٍ ; وَلِهَذَا نُسِبَ إِلَى مُتَأَخِّرِيهِمْ عَمَلُ مُتَقَدِّمِيهِمْ، وَالْأُمَمُ مُتَكَافِلَةٌ يُنْسَبُ إِلَى مَجْمُوعِهَا مَا فَشَا فِيهِمْ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ آثَارِهِ فِي زَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ: إِعْرَابُ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ " إِلَّا مُعْتَصِمِينَ أَوْ مُتَمَسِّكِينَ أَوْ مُتَلَبِّسِينَ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ " وَالْمَعْنَى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ اعْتِصَامِهِمْ بِحَبْلِ اللهِ وَحَبْلِ النَّاسِ.
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَيْسُوا سَوَاءً كَلَامٌ تَامٌّ، أَيْ لَيْسَ أَهْلُ الْكِتَابِ مُتَسَاوِينَ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ وَالْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ آنِفًا، بَلْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمُ الْأَقَلُّونَ، وَمِنْهُمُ الْفَاسِقُونَ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ فَهُوَ بَيَانٌ لَهُ بَعْدَ وَصْفِ الْفَاسِقِينَ وَذِكْرِ مَا اسْتَحَقَّتِ الْأُمَّةُ بِسُوءِ عَمَلِهِمْ. وَلَمَّا بَيَّنَ وَصْفَ فَاسِقِيهِمْ كَانَ مِنَ الْعَدْلِ الْإِلَهِيِّ أَنْ يُبَيِّنَ وَصْفَ مُؤْمِنِيهِمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
الْآيَاتِ، قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ جَمَاعَةٌ أَسْلَمُوا مِنَ الْيَهُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute