للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيْفَهُ، وَحَمْزَةُ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَغَيْرُهُمْ بَلَاءً عَظِيمًا حَتَّى انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. وَرُوِيَ أَنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ ٣١ مُشْرِكًا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: وَجَدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّيْفَ فَمَنَعَنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ، وَقُلْتُ: أَنَا ابْنُ صَفِيَّةَ عَمَّتِهِ وَمِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ قُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ قَبْلَهُ وَأَعْطَاهُ وَتَرَكَنِي، وَاللهِ لَأَنْظُرَنَّ مَاذَا يَصْنَعُ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَخْرَجَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إِذَا تَعَصَّبَ بِهَا، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:

أَنَا الَّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيلِ

أَلَّا أَقُومَ الدَّهْرَ فِي الْكَيُّولِ ... أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللهِ وَالرَّسُولِ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ. إِلَى آخِرِ مَا قَالَ. وَمِمَّا كَانَ مِنْهُ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى هِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ قَائِدِ الْمُشْرِكِينَ فَوَضَعَ السَّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهَا وَلَمْ يَقْتُلْهَا. قَالَ: رَأَيْتُ إِنْسَانًا يَحْمُشُ حَمْشًا شَدِيدًا فَصَمَدْتُ لَهُ فَلَمَّا حَمَلْتُ

عَلَيْهِ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ، فَأَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً. وَمِنْ فَوَائِدِ مَسْأَلَةِ إِعْطَاءِ السَّيْفِ أَبَا دُجَانَةَ: أَنَّ مِنْ سِيَاسَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُحَابِي قَوْمَهُ وَلَا ذِي الْقُرْبَى عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَارِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا انْتُزِعَتْ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَصَبِيَّةُ الْجِنْسِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ.

لَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَوَلَّوْا إِلَى نِسَائِهِمْ مُدْبِرِينَ وَرَأَى الرُّمَاةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هَزِيمَتَهُمْ تَرَكَ الرُّمَاةُ مَرْكَزَهُمُ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحِفْظِهِ وَأَلَّا يَدَعُوهُ سَوَاءٌ كَانَ الظَّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَيْهِمْ " وَإِنْ رَأَوُا الطَّيْرَ تَتَخَطَّفُ الْعَسْكَرَ " لِئَلَّا يَكُرَّ عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ وَيَأْتُوهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الِاصْطِلَاحِ الْعَسْكَرِيِّ بِخَطِّ الرَّجْعَةِ. وَقَالُوا: يَا قَوْمِ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَذَكَّرَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَهْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرْجِعُوا وَظَنُّوا أَنْ لَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ رَجْعَةٌ، فَذَهَبُوا فِي طَلَبِ الْغَنِيمَةِ وَأَخْلَوُا الثَّغْرَ، فَلَمَّا رَأَى فُرْسَانُ الْمُشْرِكِينَ الثَّغْرَ قَدْ خَلَا مِنَ الرُّمَاةِ كَرُّوا حَتَّى أَقْبَلَ آخِرُهُمْ فَأَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَأَبْلَوْا فِيهِمْ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَرَحُوا وَجْهَهُ الشَّرِيفَ وَكَسَرُوا رُبَاعِيَّتَهُ الْيُمْنَى مِنْ ثَنَايَاهُ السُّفْلَى وَهَشَّمُوا الْبَيْضَةَ الَّتِي عَلَى رَأْسِهِ وَدَثُّوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى سَقَطَ لِشِقِّهِ وَوَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ الْحُفَرِ الَّتِي كَانَ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ يَكِيدُ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِهِ وَاحْتَضَنَهُ طَلْحَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>