ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ. وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى أَذَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَمِئَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَنَشِبَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ فَانْتَزَعَهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَضَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى سَقَطَتْ ثَنَيَاهُ مِنْ شِدَّةِ غَوْصِهِمَا فِي وَجْهِهِ، وَامْتَصَّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ وَالِدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الدَّمَ مِنْ وَجْنَتِهِ، وَطَمِعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ فَأَدْرَكُوهُ يُرِيدُونَ مِنْهُ مَا اللهُ عَاصِمٌ إِيَّاهُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [٥: ٦٧] وَحَالَ دُونَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَحْوُ عَشَرَةٍ حَتَّى قُتِلُوا، ثُمَّ جَالَدَهُمْ طَلْحَةُ حَتَّى أَجْهَضَهُمْ عَنْهُ، وَتَرَّسَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ فَكَانَ يَقَعُ النَّبْلُ عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ لَا يَتَحَرَّكُ حَتَّى كَثُرَ فِيهِ، وَدَافَعَ عَنْهُ أَيْضًا بَعْضُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي شَهِدْنَ الْقِتَالَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمُّ عُمَارَةَ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ يَوْمَ أُحُدٍ فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عُمَارَةَ فَقُلْتُ لَهَا: يَا خَالَهْ أَخْبِرِينِي خَبَرَكِ، فَقَالَتْ: خَرَجْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدَّوْلَةُ وَالرِّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْتُ أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبُّ عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَأَرْمِي عَنِ الْقَوْسِ حَتَّى خَلَصَتِ الْجِرَاحُ إِلَيَّ - فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ فَقُلْتُ: مَنْ أَصَابَكِ بِهَذَا؟ فَقَالَتْ: ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللهُ، لَمَّا وَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ يَقُولُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأُنَاسٌ مِمَّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ وَلَكِنْ ضَرَبْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنَّ عَدُوَّ اللهِ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعَانِ، وَأَعْطَتِ امْرَأَةٌ ابْنَهَا السَّيْفَ فَلَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ فَشَدَّتْهُ عَلَى سَاعِدِهِ بِنِسْعَةٍ وَأَتَتْ بِهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا ابْنِي يُقَاتِلُ عَنْكَ. فَقَالَ " أَيْ بُنَيَّ! ! احْمِلْ هَاهُنَا " فَجُرِحَ: فَأَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ لَهُ: " لَعَلَّكَ جَزِعْتَ؟ " قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالُوا: وَصَرَخَ صَارِخٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. قَالَ الزُّبَيْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ وَصْفِهِ لِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنْظُرُ خَدَمَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبَهَا مُشَمِّرَاتٍ هَوَارِبَ مَا دُونُ أَخْذِهِنَّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِذْ مَالَتِ الرُّمَاةُ إِلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفَنَا الْقَوْمُ عَنْهُ وَخَلَّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا وَصَرَخَ صَارِخٌ: " أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ " فَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَانْهَزَمُوا وَكُسِرَتْ قُلُوبُهُمْ، وَمَرَّ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ بِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ عُمَرُ وَطَلْحَةُ قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ: مَا تَنْظُرُونَ؟ فَقَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute