فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا سَعْدُ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ مِنْ دُونِ أُحِدٍ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَوُجِدَ بِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً، وَجُرِحَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَحْوَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً.
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَهُ تَحْتَ الْمِغْفَرِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا هَذَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنِ اسْكُتْ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَنَهَضُوا مَعَهُ إِلَى الشِّعْبِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَنْزَلَ اللهُ النُّعَاسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَمَنَةً وَرَحْمَةً فَكَانُوا يُقَاتِلُونَ وَلَا يَشْعُرُونَ بِأَلَمٍ وَلَا خَوْفٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ - الْحَدِيثَ، وَفِيهِ أَنَّ السَّبْعَةَ قُتِلُوا دُونَهُ إِذْ كَانَ يَنْبَرِي لِلدِّفَاعِ عَنْهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يَخْرُجِ الْقُرَشِيَّانِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْصَرَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَاءَ إِلَيْهِ، فَرَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلًا يُقَاتِلُ فَقُلْتُ: كُنْ طَلْحَةَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي " مَرَّتَيْنِ " فَلَمْ أَنْشَبَ أَنْ أَدْرَكَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَهُوَ يَشْتَدُّ كَأَنَّهُ طَيْرٌ فَدَفَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا طَلْحَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَرِيعًا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَكُمْ أَخَاكُمْ فَقَدْ أَوْجَبَ أَيْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. وَقَدْ زُلْزِلَ كُلُّ أُحُدٍ سَاعَتَئِذٍ إِلَّا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْ مَكَانِهِ.
وَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ وَهُوَ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ عَلَى جَوَادٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْعُودُ، كَانَ يَعْلِفُهُ فِي مَكَّةَ وَيَقُولُ: أَقْتُلُ عَلَيْهِ مُحَمَّدًا. وَكَانَ قَدْ بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرُهُ فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهُ اسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَقَتَلَ مُصْعَبًا، وَجَعَلَ يَقُولُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَلْيَبْرُزْ لِي فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ نَبِيًّا قَتَلَنِي، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ فَطَعَنَهُ بِهَا فَجَاءَتْ فِي تَرْقُوَتِهِ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ فَكَرَّ الْخَبِيثُ مُنْهَزِمًا، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: وَاللهِ مَا بِكَ مِنْ بَأْسٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ مَا بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعُونَ، وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ بِـ " سَرِفَ " مَرْجِعَهُ إِلَى مَكَّةَ - كَذَا فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ وَالسِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ - وَذَكَرَ الْأَوَّلَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخَذَ الْحَرْبَةَ مِنْهُ انْتَفَضَ انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشُّعَرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ ثُمَّ طَعَنَهُ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا. وَفِي زَادِ الْمَعَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute