للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آدَمَ أَنْتُمْ فِي آخِرِ أُولَئِكَ الْآدَمِيِّينَ، وَقَالَ الْمِيثَمُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ لِلنَّهْجِ: وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِ انْقَضَى قَبْلَ آدَمَ الَّذِي هُوَ أَبُونَا أَلْفُ أَلْفِ آدَمَ، أَوْ أَكْثَرُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ - قُدِّسَ سِرُّهُ - فِي فُتُوحَاتِهِ مَا يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ أَنَّ قَبْلَ آدَمَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ سَنَةٍ آدَمَ غَيْرَهُ. وَفِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ (لِابْنِ بَابَوَيْهِ كَمَا فِي الْهَامِشِ) مَا يَكَادُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّعَدُّدُ أَيْضًا الْآنَ، حَيْثُ رَوَى فِيهِ عَنِ الصَّادِقِ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ، كُلُّ عَالَمٍ مِنْهُمْ أَكْبَرُ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعِ

أَرَضِينَ، مَا يَرَى عَالَمٌ مِنْهُمْ أَنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَالَمًا غَيْرَهُمْ " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ نُقُولٌ أُخْرَى فِي الْفُتُوحَاتِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ الْقَوْلُ بِكُفْرِ مَنْ يَقُولُ بِتَعَدُّدِ آدَمَ. وَهَذَا مِنْ جُرْأَتِهِ، وَجُرْأَةِ أَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَتَهَجَّمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَوْهَى الشُّبُهَاتِ.

لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ رَأْيَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ آدَمَ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَبَ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ أَمْ لَا، لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْمَبَاحِثِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالتَّارِيخِيَّةِ لَهُ وَمِنْ تَنْكِيرِ مَا بَثَّهُ مِنْهَا، وَمِنْ زَوْجِهَا، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ بِأَنَّ التَّنْكِيرَ لِمَنْ وُلِدَ مِنْهُمَا مُبَاشَرَةً كَأَنَّهُ يَقُولُ: بَثَّ مِنْهُمَا كَثِيرًا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَبَثَّ مِنْ هَؤُلَاءِ سَائِرَ النَّاسِ، وَعَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا يَزَالُ غَيْرَ قَطْعِيٍّ.

وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ أُصُولِيٌّ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْبَشَرِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، وَالْمُرَادُ بِالْبَشَرِ هُنَا هَذَا الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ، الْبَادِي الْبَشَرَةِ، الْمُنْتَصِبُ الْقَامَةِ، الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْإِنْسَانِ، وَعَلَى هَذَا الرَّأْيِ لَا يُرَدُّ عَلَى الْقُرْآنِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ، وَمَنِ اقْتَنَعَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ أَنَّ لِلْبَشَرِ عِدَّةَ آبَاءٍ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ سَلَائِلُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ.

ثُمَّ إِنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ يَرُدُّ الشُّبَهَاتِ الَّتِي تَرِدُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُعْتَقِدِينَ أَنَّ آدَمَ هُوَ أَبُو الْبَشَرِ كُلِّهِمْ مِنَ اعْتِقَادِهِمْ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ يَنْفِي هَذَا الِاعْتِقَادَ، وَإِنَّمَا يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يُثْبِتُهُ إِثْبَاتًا قَطْعِيًّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَقَدْ صَرَّحْنَا بِهَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ فَهِمَ مِنْ دَرْسِهِ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ يُنَافِي هَذَا الِاعْتِقَادَ، أَيِ اعْتِقَادَ أَنَّ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ كُلِّهِمْ، وَهُوَ لَمْ يَقُلْ هَذَا تَصْرِيحًا، وَلَا تَلْوِيحًا، وَإِنَّمَا بَيَّنَ أَنَّ ثُبُوتَ مَا يَقُولُهُ الْبَاحِثُونَ فِي الْعُلُومِ، وَآثَارِ الْبَشَرِ، وَعَادِيَّاتِهِمْ وَالْحَيَوَانَاتِ مِنْ أَنَّ لِلْبَشَرِ عِدَّةَ أُصُولٍ، وَمِنْ كَوْنِ آدَمَ لَيْسَ أَبًا لَهُمْ كُلِّهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، كُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي الْقُرْآنَ، وَلَا يُنَاقِضُهُ، وَيُمْكِنُ لِمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا بِالْقُرْآنِ بَلْ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ: لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَلَا مِنْ نَصٍّ قَاطِعٍ يُؤَيِّدُ هَذَا الِاعْتِقَادَ الشَّائِعَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ - وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ - جَاءَ فِي ذَلِكَ بِمَا لَمْ تَسْتَطِعِ الْيَهُودُ أَنْ تُعَارِضَهُ مِنْ قَبْلُ بِدَعْوَى مُخَالَفَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>