للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ صَدَقَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا تَرْبِيَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ لَقَلَّ ضَرَرُ التَّعَدُّدِ فِينَا حَتَّى لَا يَتَجَاوَزَ غَيْرَةَ الضَّرَائِرِ، بَلْ أَعْرِفُ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ، وَالِاخْتِبَارِ الشَّخْصِيِّ أَنَّ بَعْضَ الضَّرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ قَدْ عِشْنَ مَعِيشَةَ الْوِفَاقِ وَالْمَحَبَّةِ، وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُنَادِي الْأُخْرَى " يَا أُخْتِي "، وَقَدْ تَزَوَّجَ كَبِيرُ قَرْيَةٍ فِي لُبْنَانَ فَلَمْ يُولَدْ لَهُ فَتَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْأُولَى، وَرِضَاهَا ابْتِغَاءَ النَّسْلِ فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا، وَكَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ

فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَكَانَتَا مُتَحَابَّتَيْنِ كَالْأُخْتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَعْتَنِي بِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَخِدْمَتِهِ، بَلْ قِيلَ: إِنَّ عِنَايَةَ أُمِّهِ بِهِ كَانَتْ أَقَلَّ، وَمَاتَ الرَّجُلُ عَنْهُمَا فَلَمْ تَتَفَرَّقَا مِنْ بَعْدِهِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إِلَّا عَدْلُهُ وَتَدَيُّنُهُمَا. نَعَمْ إِنَّ الْوِفَاقَ صَارَ مِنَ النَّادِرِ، وَيَصْدُقُ عَلَى أَكْثَرِ الضَّرَائِرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَزَوَّجْتُ اثْنَتَيْنِ لِفَرْطِ جَهْلِي ... وَقَدْ حَازَ الْبَلَا زَوْجُ اثْنَتَيْنِ

فَقُلْتُ أَعِيشُ بَيْنَهُمَا خَرُوفًا ... أُنَعَّمُ بَيْنَ أَكْرَمِ نَعْجَتَيْنِ

فَجَاءَ الْأَمْرُ عَكْسَ الْقَصْدِ دَوْمًا ... عَذَابٌ دَائِمٌ بِبَلِيَّتَيْنِ

لِهَذِي لَيْلَةٌ وَلِتِلْكَ أُخْرَى ... نِقَارٌ دَائِمٌ فِي اللَّيْلَتَيْنِ

رِضَا هَذَى يُهَيِّجُ سُخْطَ هَذِي ... فَلَا أَخْلُو مِنْ إِحْدَى السَّخْطَتَيْنِ

وَلِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ مَقَالَةٌ فِي حُكْمِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَشُرُوطِهِ، وَمَضَارِّهِ الْمُشَاهَدَةِ بِمِصْرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ نَشَرَهَا فِي جَرِيدَةِ الْوَقَائِعِ الرَّسْمِيَّةِ فِي ٩ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ ١٢٩٨ نَنْشُرُهَا هُنَا اسْتِيفَاءً لِلْبَحْثِ وَهِيَ.

((حُكْمُ الشَّرِيعَةِ فِي تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ)) قَدْ أَبَاحَتِ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ لِلرَّجُلِ الِاقْتِرَانَ بِأَرْبَعٍ مِنَ النِّسْوَةِ إِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِرَانُ بِغَيْرِ وَاحِدَةٍ قَالَ - تَعَالَى -: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ إِعْطَاءَ كُلٍّ مِنْهُنَّ حَقَّهَا اخْتَلَّ نِظَامُ الْمَنْزِلِ، وَسَاءَتْ مَعِيشَةُ الْعَائِلَةِ، إِذِ الْعِمَادُ الْقَوِيمُ لِتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ هُوَ بَقَاءُ الِاتِّحَادِ، وَالتَّآلُفِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ. وَالرَّجُلُ إِذَا خَصَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ دُونَ الْبَاقِيَاتِ، وَلَوْ بِشَيْءٍ زَهِيدٍ كَأَنْ يَسْتَقْضِيَهَا حَاجَةً فِي يَوْمِ الْأُخْرَى امْتَعَضَتْ تِلْكَ الْأُخْرَى، وَسَئِمَتِ الرَّجُلَ لِتَعَدِّيهِ عَلَى حُقُوقِهَا بِتَزَلُّفِهِ إِلَى مَنْ لَا حَقَّ لَهَا، وَتَبَدَّلَ الِاتِّحَادُ بِالنَّفْرَةِ، وَالْمَحَبَّةُ بِالْبُغْضِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَالْعُلَمَاءُ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ إِلَى هَذَا الْعَهْدِ يَجْمَعُونَ

بَيْنَ النِّسْوَةِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ اللهِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يَأْتُونَ حُجْرَةَ إِحْدَى الزَّوْجَاتِ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى إِلَّا بِإِذْنِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>