للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطَافُ بِهِ وَهُوَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ عَلَى بُيُوتِ زَوْجَاتِهِ مَحْمُولًا عَلَى الْأَكْتَافِ حِفْظًا لِلْعَدْلِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالْإِقَامَةِ فِي بَيْتِ إِحْدَاهُنَّ خَاصَّةً، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ إِحْدَى نِسَائِهِ سَأَلَ: فِي أَيِّ بَيْتٍ أَكُونُ غَدًا؟ فَعَلِمَ نِسَاؤُهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ نَوْبَةِ عَائِشَةَ فَأَذِنَّ لَهُ فِي الْمُقَامِ عِنْدَهَا مُدَّةَ الْمَرَضِ، فَقَالَ: هَلْ رَضِيتُنَّ؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ، فَلَمْ يُقِمْ فِي بَيْتِ عَائِشَة حَتَّى عَلِمَ رِضَاهُنَّ. وَهَذَا الْوَاجِبُ الَّذِي حَافَظَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى نَصَائِحِهِ، وَوَصَايَاهُ، فَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثٌ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ حَتَّى لَجْلَجَ لِسَانُهُ، وَخَفِيَ كَلَامُهُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، اللهَ اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ فِي أَيْدِيكُمْ - أَيْ أُسَرَاءُ - أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ دُونَ الْأُخْرَى - وَفِي رِوَايَةٍ، وَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا - جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَذِرُ عَنْ مَيْلِهِ الْقَلْبِيِّ بِقَوْلِهِ: اللهُمَّ هَذَا - أَيِ الْعَدْلُ فِي الْبَيَاتِ وَالْعَطَاءِ - جُهْدِي فِيمَا أَمْلِكُ وَلَا طَاقَةَ لِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ - يَعْنِي الْمَيْلَ الْقَلْبِيَّ - وَكَانَ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا.

وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَسْمِ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، وَفِيهَا، وَفِي الْعَطَاءِ أَعْنِي النَّفَقَةَ عِنْدَ غَالِبِهِمْ حَتَّى قَالُوا: يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ أَنْ يُطَوِّفَهُ عَلَى نِسَائِهِ. وَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الدُّخُولُ عِنْدَ إِحْدَى زَوْجَاتِهِ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى إِلَّا لِضَرُورَةٍ مُبِيحَةٍ غَايَتَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهَا مِنْ خَارِجِ الْبَابِ، وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهَا بِدُونِ دُخُولٍ، وَصَرَّحَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ بِأَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ عِنْدَ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ فَأَغْلَقَتِ الْبَابَ دُونَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ بِحُجْرَتِهَا، وَلَا يَذْهَبَ إِلَى ضَرَّتِهَا إِلَّا لِمَانِعِ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ عُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ ظَاهِرَ آيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَنَّ الْعَدْلَ فَرْضٌ فِي الْبَيْتُوتَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ، وَالْمَأْكُولِ، وَالصُّحْبَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ فَحْلٍ

وَعِنِّينٍ، وَمَجْبُوبٍ، وَمَرِيضٍ وَصَحِيحٍ. وَقَالُوا: إِنَّ الْعَدْلَ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ شَرْعًا إِذْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهَا. وَقَالُوا: إِذَا لَمْ يَعْدِلْ وَرُفِعَ إِلَى الْقَاضِي وَجَبَ نَهْيُهُ، وَزَجْرُهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ بِالضَّرْبِ لَا بِالْحَبْسِ ; وَمَا ذَلِكَ إِلَّا مُحَافَظَةً عَلَى الْمَقْصِدِ الْأَصْلِيِّ مِنَ الزَّوَاجِ، وَهُوَ التَّعَاوُنُ فِي الْمَعِيشَةِ، وَحُسْنُ السُّلُوكِ فِيهَا.

أَفَبَعْدَ الْوَعِيدِ الشَّرْعِيِّ، وَذَاكَ الْإِلْزَامِ الدَّقِيقِ الْحَتْمِيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا، وَلَا تَحْوِيلًا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ تَوَهُّمِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسْوَةِ فَضْلًا عَنْ تَحَقُّقِهِ؟ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَنَا الْجَمْعُ بَيْنَ نِسْوَةٍ لَا يَحْمِلُنَا عَلَى جَمْعِهِنَّ إِلَّا قَضَاءُ شَهْوَةٍ فَانِيَةٍ، وَاسْتِحْصَالُ لَذَّةٍ وَقْتِيَّةٍ غَيْرَ مُبَالِينَ بِمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَمُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، فَإِنَّا نَرَى أَنَّهُ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>