بَدَتْ لِإِحْدَاهُنَّ فُرْصَةٌ لِلْوِشَايَةِ عِنْدَ الزَّوْجِ فِي حَقِّ الْأُخْرَى صَرَفَتْ جُهْدَهَا مَا اسْتَطَاعَتْ فِي تَنْمِيقِهَا، وَإِتْقَانِهَا، وَتَحْلِفُ بِاللهِ إِنَّهَا لَصَادِقَةٌ فِيمَا افْتَرَتْ - وَمَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْكَاذِبَاتِ - فَيَعْتَقِدُ الرَّجُلُ أَنَّهَا أَخْلَصَتْ لَهُ النُّصْحَ لِفَرْطِ مَيْلِهِ إِلَيْهَا، وَيُوسِعُ الْأُخْرَيَاتِ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَسَبًّا فَظِيعًا، وَيَسُومُهُنَّ طَرْدًا، وَنَهْرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيمَا أَلْقَى إِلَيْهِ ; إِذْ لَا هِدَايَةَ عِنْدَهُ تُرْشِدُهُ إِلَى تَمْيِيزِ صَحِيحِ الْقَوْلِ مِنْ فَاسِدِهِ، وَلَا نُورَ بَصِيرَةٍ يُوقِفُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَتَضْطَرِمُ نِيرَانُ الْغَيْظِ فِي أَفْئِدَةِ هَاتِيكَ النِّسْوَةِ، وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الِانْتِقَامِ مِنَ الزَّوْجِ، وَالْمَرْأَةِ الْوَاشِيَةِ، وَيَكْثُرُ الْعِرَاكُ، وَالْمُشَاجَرَةُ بَيْنَهُنَّ بَيَاضَ النَّهَارِ وَسَوَادَ اللَّيْلِ، وَفَضْلًا عَنِ اشْتِغَالِهِنَّ بِالشِّقَاقِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَعْمَالِ الْمَنْزِلِ يُكْثِرْنَ مِنْ خِيَانَةِ الرَّجُلِ فِي مَالِهِ وَأَمْتِعَتِهِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِالْمُقَامِ عِنْدَهُ ; فَإِنَّهُنَّ دَائِمًا يَتَوَقَّعْنَ مِنْهُ الطَّلَاقَ ; إِمَّا مِنْ خُبْثِ أَخْلَاقِهِنَّ، أَوْ مِنْ رَدَاءَةِ أَفْكَارِ الزَّوْجِ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَكِلَاهُمَا لَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ، وَلَا يَرِقُّ لَهُ عَيْشٌ.
وَمِنْ شِدَّةِ تَمَكُّنِّ الْغَيْرَةِ وَالْحِقْدِ فِي أَفْئِدَتِهِنَّ تَزْرَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي ضَمِيرِ وَلَدِهَا مَا يَجْعَلُهُ مِنْ أَلَدِّ الْأَعْدَاءِ لِإِخْوَتِهِ أَوْلَادِ النِّسْوَةِ الْأُخْرَيَاتِ، فَإِنَّهَا دَائِمًا تَمْقُتُهُمْ، وَتَذْكُرُهُمْ بِالسُّوءِ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَسْمَعُ، وَتُبَيِّنُ لَهُ امْتِيَازَهُمْ عَنْهُ عِنْدَ وَالِدِهِمْ، وَتُعَدِّدُ لَهُ وُجُوهَ الِامْتِيَازِ، فَكُلُّ ذَلِكَ وَمَا شَابَهَهُ إِنْ أُلْقِيَ إِلَى الْوَلَدِ حَالَ الطُّفُولَةِ يَفْعَلُ فِي نَفْسِهِ فِعْلًا لَا يَقْوَى عَلَى إِزَالَتِهِ بَعْدَ تَعَقُّلِهِ، فَيَبْقَى نَفُورًا مِنْ أَخِيهِ عَدُوًّا لَهُ (لَا نَصِيرًا،
وَظَهِيرًا لَهُ عَلَى اجْتِنَاءِ الْفَوَائِدِ وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَخِ) .
وَإِنْ تَطَاوَلَ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ تِلْكَ عَلَى آخَرَ مِنْ وَلَدِ هَذِهِ - وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا لَفَظَ إِنْ كَانَ خَيْرًا، أَوْ شَرًّا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا - انْتَصَبَ سُوقُ الْعِرَاكِ بَيْنَ وَالِدَتَيْهِمَا، وَأَوْسَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ الْأُخْرَى بِمَا فِي وُسْعِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْفُحْشِ وَمُسْتَهْجَنَاتِ السَّبِّ - وَإِنْ كُنَّ مِنَ الْمُخَدَّرَاتِ فِي بُيُوتِ الْمُعْتَبَرِينَ - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْجِهَاتِ خُصُوصًا الرِّيفِيَّةَ، وَإِذَا دَخَلَ الزَّوْجُ عَلَيْهِنَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إِطْفَاءُ الثَّوْرَةِ مِنْ بَيْنِهِنَّ بِحُسْنِ الْقَوْلِ وَلِينِ الْجَانِبِ ; إِذْ لَا يَسْمَعْنَ لَهُ أَمْرًا، وَلَا يَرْهَبْنَ مِنْهُ وَعِيدًا ; لِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ مِنَ الْمُنَازَعَاتِ، وَالْمُشَاجَرَاتِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، أَوْ غَيْرِهَا الَّتِي أَفْضَتْ إِلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِهِ، وَانْتِهَاكِ وَاجِبَاتِهِ عِنْدَهُنَّ، أَوْ لِكَوْنِهِ ضَعِيفَ الرَّأْيِ، أَحْمَقَ الطَّبْعِ، فَتَقُودُهُ تِلْكَ الْأَسْبَابُ إِلَى فَضِّ هَذِهِ الْمُشَاجَرَةِ بِطَلَاقِهِنَّ جَمِيعًا، أَوْ بِطَلَاقِ مَنْ هِيَ عِنْدَهُ أَقَلُّ مَنْزِلَةً فِي الْحُبِّ - وَلَوْ كَانَتْ أَمَّ أَكْثَرِ أَوْلَادِهِ - فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَنْزِلِ سَائِلَةَ الدَّمْعِ، حَزِينَةَ الْخَاطِرِ، حَامِلَةً مِنَ الْأَطْفَالِ عَدِيدًا فَتَأْوِي بِهِمْ إِلَى مَنْزِلِ أَبِيهَا إِنْ كَانَ، ثُمَّ لَا يَمْضِي عَلَيْهَا بِضْعَةُ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ إِلَّا سَئِمَهَا، فَلَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ رَدِّ الْأَوْلَادِ إِلَى أَبِيهِمْ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ زَوْجَتَهُ الْحَالِيَّةَ تُعَامِلُهُمْ بِأَسْوَأَ مِمَّا عُومِلُوا بِهِ مِنْ عَشِيرَةِ أَبِيهَا. وَلَا تَسَلْ عَنْ أُمِّ الْأَوْلَادِ إِذَا طُلِّقَتْ، وَلَيْسَ لَهَا مَنْ تَأْوِي إِلَيْهِ فَإِنَّ شَرْحَ مَا تُعَانِيهِ مِنْ أَلَمِ الْفَاقَةِ وَذُلِّ النَّفْسِ لَيْسَ يُحْزِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute