للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزَّوَاجَ لَيْسَ لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ الْمُبَاحِ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِهَا الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُتَأَمِّلُ بِجَوْدَةِ رَأْيِهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلِتَعْزِيَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

وَأَمَّا زَوَاجُهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ رَمْلَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَلَعَلَّ حِكْمَتَهُ لَا تَخْفَى عَلَى إِنْسَانٍ عَرَفَ سِيرَتَهَا الشَّخْصِيَّةَ، وَعَرَفَ عَدَاوَةَ قَوْمِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَرَغْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ، كَانَتْ رَمْلَةُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، وَهَاجَرَتْ مَعَهُ إِلَى الْحَبَشَةِ الثَّانِيَةِ فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ، وَثَبَتَتْ هِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَانْظُرُوا إِلَى إِسْلَامِ امْرَأَةٍ يُكَافِحُ أَبُوهَا بِقَوْمِهِ النَّبِيَّ وَيَتَنَصَّرُ زَوْجُهَا، وَهِيَ مَعَهُ فِي هِجْرَةٍ مَعْرُوفٍ سَبَبُهَا، أَمِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ تُضَيَّعَ هَذِهِ الْمُؤْمِنَةُ الْمُوقِنَةُ بَيْنَ فِتْنَتَيْنِ؟ أَمْ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يَكْلُفَهَا مَنْ تَصْلُحُ لَهُ وَهُوَ أَصْلَحُ لَهَا؟

كَذَلِكَ تَظْهَرُ الْحِكْمَةُ فِي زَوَاجِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ سَيِّدِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَدْ قُتِلَ أَبُوهَا مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُتِلَ زَوْجُهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أَخَذَهَا دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ فَقَالَ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا سَيِّدَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، فَاسْتَحْسَنَ رَأْيَهُمْ، وَأَبَى أَنْ تُذَلَّ هَذِهِ السَّيِّدَةُ بِأَنْ تَكُونَ أَسِيرَةً عِنْدَ مَنْ تَرَاهُ دُونَهَا فَاصْطَفَاهَا، وَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، وَوَصَلَ سَبَبَهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ

يُنْزِلُ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.

وَآخِرُ أَزْوَاجِهِ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ (وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَسَمَّاهَا مَيْمُونَةَ) ، وَالَّذِي زَوَّجَهَا مِنْهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا الثَّانِي أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَهِيَ خَالَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَا أَدْرِي هَلْ كَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي تَزَوُّجِهِ بِهَا تَشَعُّبُ قَرَابَتِهَا فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟

وَجُمْلَةُ الْحِكْمَةِ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاعَى الْمَصْلَحَةَ فِي اخْتِيَارِ كُلِّ زَوْجٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ (عَلَيْهِنَّ الرِّضْوَانُ) فِي التَّشْرِيعِ، وَالتَّأْدِيبِ فَجَذَبَ إِلَيْهِ كِبَارَ الْقَبَائِلِ بِمُصَاهَرَتِهِمْ، وَعَلَّمَ أَتْبَاعَهُ احْتِرَامَ النِّسَاءِ وَإِكْرَامَ كَرَائِمِهِنَّ، وَالْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ، وَقَرَّرَ الْأَحْكَامَ بِذَلِكَ، وَتَرَكَ مِنْ بَعْدِهِ تِسْعَ أُمَّهَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ يُعَلِّمْنَ نِسَاءَهُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَلِيقُ بِهِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمْنَهُ مِنَ النِّسَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>