للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفِتْنَةِ، وَلَوْ عَادَتْ إِلَى أَهْلِهَا بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا (وَكَانَ ابْنَ عَمِّهَا) لَعَذَّبُوهَا وَفَتَنُوهَا فَكَفَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَافَأَهَا بِهَذِهِ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ.

ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحِكْمَةِ فِي التَّزَوُّجِ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بِبَدْرٍ، وَهِيَ إِكْرَامُ صَاحِبَيْهِ وَوَزِيرَيْهِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) ، وَإِقْرَارُ أَعْيُنِهِمَا بِهَذَا الشَّرَفِ الْعَظِيمِ، (كَمَا أَكْرَمَ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - بِبَنَاتِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ أَصْحَابِهِ، وَأَخْلَصُهُمْ خِدْمَةً لِدِينِهِ) .

وَأَمَّا التَّزَوُّجُ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَالْحِكْمَةُ فِيهِ تَعْلُو كُلَّ حِكْمَةٍ، وَهِيَ إِبْطَالُ تِلْكَ الْبِدَعِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لَاحِقَةً بِبِدْعَةِ التَّبَنِّي كَتَحْرِيمِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجَةِ الْمُتَبَنَّى بَعْدَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ نَشَرْنَا فِي الْمُجَلَّدِ الثَّالِثِ مِنَ الْمَنَارِ مَقَالَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدُهُمَا لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ، فَلْيُرَاجِعْهُمَا السَّائِلُ هُنَاكَ.

وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ الْحِكْمَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِجُوَيْرِيَةَ، وَهِيَ بَرَّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَسَرُوا مِنْ قَوْمِهَا مِائَتَيْ بَيْتٍ بِالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْتِقَ الْمُسْلِمُونَ الْأَسْرَى فَتَزَوَّجَ بِسَيِّدَتِهِمْ، فَقَالَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِمُ الرِّضْوَانُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْبَغِي أَسْرُهُمْ وَأَعْتَقُوهُمْ، فَأَسْلَمَ بَنُو الْمُصْطَلِقِ - لِذَلِكَ - أَجْمَعُونَ، وَصَارُوا عَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُحَارِبِينَ لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ لِذَلِكَ أَثَرٌ حَسَنٌ فِي سَائِرِ الْعَرَبِ.

وَقَبْلَ ذَلِكَ تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ بَعْدَ قَتْلِ زَوْجِهَا عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فِي (أُحُدٍ) ، وَحِكْمَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مِنْ فُضْلَيَاتِ النِّسَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى كَانُوا يَدْعُونَهَا أُمَّ الْمَسَاكِينِ لِبِرِّهَا بِهِمْ، وَعِنَايَتِهَا بِشَأْنِهِمْ، فَكَافَأَهَا - عَلَيْهِ التَّحِيَّةُ

وَالسَّلَامُ - عَلَى فَضَائِلِهَا بَعْدَ مُصَابِهَا بِزَوْجِهَا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَدَعْهَا أَرْمَلَةً تُقَاسِي الذُّلَّ الَّذِي كَانَتْ تُجِيرُ مِنْهُ النَّاسَ، وَقَدْ مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ.

وَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا أُمَّ سَلَمَةَ (وَاسْمُهَا هِنْدٌ) وَكَانَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا (عَبْدُ اللهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ أَسَدِ ابْنُ عَمَّةِ الرَّسُولِ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ) أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ زَوْجَهَا وَتُجِلُّهُ، حَتَّى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خَطَبَاهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمْ تَقْبَلْ، وَلَمَّا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَلِي اللهَ أَنْ يَأْجُرَكِ فِي مُصِيبَتِكِ وَيُخْلِفَكِ خَيْرًا قَالَتْ: وَمَنْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَمِنْ هُنَا يَعْلَمُ السَّائِلُ وَغَيْرُهُ مِقْدَارَ مُصَابِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْفَاضِلَةِ بِزَوْجِهَا، وَقَدْ رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا عَزَاءَ لَهَا عَنْهُ إِلَّا بِهِ، فَخَطَبَهَا فَاعْتَذَرَتْ بِأَنَّهَا مُسِنَّةٌ وَأُمُّ أَيْتَامٍ، فَأَحْسَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَوَابَ - وَمَا كَانَ إِلَّا مُحْسِنًا - وَتَزَوَّجَ بِهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>