للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقُولُ: يَعْنِي أَنَّ طَوْرَ الْمُفَارَقَةِ هُوَ طَوْرُ مُغَاضَبَةٍ، فَفِي الطَّبْعِ دَاعِيَةٌ لِلْمُشَاحَّةِ فِيهِ، وَأَمَّا طَوْرُ عَقْدِ الْمُصَاهَرَةِ فَهُوَ طَوْرُ الرَّغْبَةِ، وَالتَّحَبُّبِ، وَإِظْهَارِ الزَّوْجِ أَهْلِيَّتَهُ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كَفَالَةِ الْمَرْأَةِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ غَلَبَ حُبُّ الدِّرْهَمِ، وَالدِّينَارِ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى عَلَى الْعَوَاطِفِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَحُبِّ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ، فَصَارَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَقْوَامُهُمَا يُمَاكِسُونَ فِي الْمَهْرِ كَمَا يُمَاكِسُونَ فِي سِلَعِ التِّجَارَةِ وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَنَا الظَّاهِرُ وَاللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى مِثْلِ الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ بَاطِنَ الْمَرْأَةِ فِيهَا مَعْلُومٌ غَيْرُ مَجْهُولٍ، فَيَدَّعِي الْأَخْذَ بِمَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَاللهُ - تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ (فَإِنْ أَعْطَيْنَكُمْ) حَتَّى يُقَالَ حَصَلَ الْعَطَاءُ الَّذِي وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَإِنَّمَا نَاطَ الْحِلَّ بِطِيبِ نُفُوسِهِنَّ عَنْهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ طِيبُ النَّفْسِ مِمَّا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ لَمَا نَاطَ - سُبْحَانَهُ - الْحُكْمَ بِهِ، فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُحَرِّفِينَ: إِذَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ أَكْلِ مَا تُعْطِيهِ الْمَرْأَةُ هُوَ أَنْ

يَكُونَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهَا، وَتَعْلَمُونَ أَنَّهَا إِنَّمَا أَعْطَتْ مَا أَعْطَتْ كَارِهَةً أَوْ مُكْرَهَةً لِمَا اتَّخَذْتُمُوهُ مِنَ الْوَسَائِلِ، فَكَيْفَ تُخَادِعُونَ رَبَّكُمْ وَتُكَابِرُونَ أَنْفُسَكُمْ؟

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا

الْمُفْرَدَاتُ: (السَّفُهَاءُ) جَمْعُ سَفِيهٍ مِنَ السَّفَهِ وَالسَّفَاهَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ السَّفَهَ هُوَ الِاضْطِرَابُ فِي الرَّأْيِ، وَالْفِكْرِ، أَوِ الْأَخْلَاقِ. وَأَصْلُهُ الِاضْطِرَابُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: السَّفَهُ خِفَّةٌ فِي الْبَدَنِ، وَمِنْهُ قِيلَ: زِمَامٌ سَفِيهٌ: كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، وَثَوْبٌ سَفِيهٌ: رَدِيءُ النَّسْجِ. وَاسْتُعْمِلَ فِي خِفَّةِ النَّفْسِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ، وَفِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>