للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّابِقَةِ بِإِيتَاءِ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَبِإِيتَاءِ النِّسَاءِ صَدُقَاتِهِنَّ أَيْ مُهُورِهِنَّ، وَأَتَى فِي قَوْلِهِ: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا بِشَرْطٍ لِلْإِيتَاءِ يَعُمُّ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ ; أَيْ أَعْطُوا كُلَّ يَتِيمٍ مَالَهُ إِذَا بَلَغَ، وَكُلَّ امْرَأَةٍ صَدَاقَهَا إِلَّا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا سَفِيهًا لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ، فَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ أَنْ تُعْطُوهُ إِيَّاهُ لِئَلَّا يُضَيِّعَهُ، وَيَجِبُ أَنْ تَحْفَظُوهُ لَهُ، أَوْ يَرْشُدَ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَمْوَالَكُمُ وَلَمْ يَقُلْ أَمْوَالَهُمْ مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْلِيَاءِ،

وَالْمَالَ لِلسُّفَهَاءِ الَّذِينَ فِي وِلَايَتِهِمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذَا ضَاعَ هَذَا الْمَالُ وَلَمْ يَبْقَ لِلسَّفِيهِ مِنْ مَالِهِ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَبِذَلِكَ تَكُونُ إِضَاعَةُ مَالِ السَّفِيهِ مُفْضِيَةً إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ، فَكَأَنَّ مَالَهُ عَيْنُ مَالِهِ.

ثَانِيهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ إِذَا رَشَدُوا وَأَمْوَالُهُمْ مَحْفُوظَةٌ لَهُمْ، وَتَصَرَّفُوا فِيهَا تَصَرُّفَ الرَّاشِدِينَ، وَأَنْفَقُوا مِنْهَا فِي الْوُجُوهِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَإِنَّهُ يُصِيبُ هَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءَ حَظٌّ مِنْهَا.

ثَالِثًا: التَّكَافُلُ فِي الْأُمَّةِ، وَاعْتِبَارُ مَصْلَحَةِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا عَيْنُ مُصْلَحَةِ الْآخَرِينَ، كَمَا قُلْنَاهُ فِي آيَاتٍ أُخْرَى.

وَذَهَبَ (الْجَلَالُ) إِلَى أَنَّهُ أَضَافَ الْأَمْوَالَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَهُمُ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ - وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ - وَمَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ السُّفَهَاءَ هُنَا هُمْ أَوْلَادُ الْمُخَاطَبِينَ الصِّغَارُ إِلَّا لِحَيْرَتِهِ فِي هَذِهِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: أَمْوَالَكُمُ وَقَوْلِهِ: لَكُمْ وَعَدَمِ ظُهُورِ النُّكْتَةِ لَهُ فِي إِيثَارِ ضَمِيرِ الْخِطَابِ عَلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ.

أَقُولُ: وَأَجَابَ الرَّازِيُّ بِجَوَابَيْنِ تَبَعًا لِلزَّمَخْشَرِيِّ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِمْ لَا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ بَلْ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا التَّصَرُّفَ فِيهِ، قَالَ: وَيَكْفِي لِحُسْنِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ، وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْجَلَالُ. ثَانِيهِمَا قَوْلُهُ: إِنَّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ إِجْرَاءً لِلْوَحْدَةِ بِالنَّوْعِ مَجْرَى الْوَحْدَةِ بِالشَّخْصِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [٩: ١٢٨] وَقَوْلُهُ: فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [٤: ٢٥] وَقَوْلُهُ: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [٢: ٥٤] وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [٢: ٨٥] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا وَكَانَ الْكُلُّ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَكَذَا هَاهُنَا الْمَالُ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَنْتَفِعُ بِهِ نَوْعُ الْإِنْسَانِ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ ; فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْوَحْدَةِ النَّوْعِيَّةِ حَسُنَتْ إِضَافَةُ أَمْوَالِ السُّفَهَاءِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ اهـ.

أَقُولُ: وَهَذَا أَوْسَعُ مِمَّا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي النَّوْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>