للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي قَوْمِ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ اتَّحَدَتْ مَصَالِحُهُمْ بِمَصَالِحِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ فِي النَّظَائِرِ، وَالشَّوَاهِدِ الَّتِي أَوْرَدَهَا، فَإِنَّ الَّذِينَ أُمِرُوا بِقَتْلٍ، أَيْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لَمْ يُؤْمَرُوا بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي النَّوْعِ، وَهُوَ كَوْنُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أُمَّةٌ لَهَا مِلَّةٌ تَرْتَبِطُ بِهَا مَصَالِحُهُمْ فَخَالَفُوهَا فَاسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ لِتَكَافُلِهِمْ بِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الذَّنْبِ، وَعَدَمِ التَّنَاهِي عَنْهُ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَتَلُوا قَوْمًا آخَرِينَ مِنْ نَوْعِ

الْبَشَرِ لَمَا كَانُوا مُمْتَثِلِينَ لِلْأَمْرِ، وَلَمَا قِيلَ لَهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَالرَّاجِحُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِنَّهُ خِطَابٌ لِلْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ قَوْمُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتِ الْبَعْثَةُ عَامَّةً كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ فَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي تَكْلِيفِهِمُ اتِّبَاعَهُ وَفِي كَوْنِهِ رَسُولًا إِلَيْهِمْ.

فَلَا بُدَّ فِي إِقَامَةِ الْوَحْدَةِ النَّوْعِيَّةِ، أَوِ الْقَوْمِيَّةِ، أَوِ الْأَهْلِيَّةِ مَقَامَ الْوَحْدَةِ الشَّخْصِيَّةِ مِنَ اشْتِرَاكِ أَفْرَادِ النَّوْعِ، أَوِ الْقَوْمِ، أَوِ الْأَهْلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ، كَمَا بَيَّنَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَوْجِيهِ إِسْنَادِ مَا فَعَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي زَمَنِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَبْنَائِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَأْثِيرِ أَعْمَالِ السَّلَفِ فِي الْخَلَفِ بِالْوِرَاثَةِ وَالْقُدْوَةِ، وَلَوْ جُعِلَتِ الْوَحْدَةُ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَالسُّفَهَاءِ وَحْدَةَ الْقَرَابَةِ وَالْكَفَالَةِ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنَ الْوَحْدَةِ الْأُمِّيَّةِ، وَالْقَوْمِيَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ لَكَانَ الْمَعْنَى أَظْهَرَ، كَمَا أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ أَظْهَرُ مِمَّا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَنْفَعَةِ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَالسُّفَهَاءِ فِي الْأَمْوَالِ مُطَّرِدٌ تَظْهَرُ فِيهِ الْوَحْدَةُ دَائِمًا، وَلَكِنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ جَعَلَهَا مِنْ قَبِيلِ وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَتَكَافُلِهَا إِلْحَاقًا لَهَا بِنَظَائِرِهَا الْكَثِيرَةِ فِي الْقُرْآنِ.

وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِ الْمُفْرِدَاتِ مَعْنَى جَعْلِ الْأَمْوَالِ قِيَامًا لِلنَّاسِ تَقُومُ وَتَثْبُتُ بِهَا مَنَافِعُهُمْ وَمَرَافِقُهُمْ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ فِي الْكَلَامِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَيَبْلُغَ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْبَلَاغَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى الِاقْتِصَادِ، وَبَيَانِ فَائِدَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ، وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الْإِسْرَافِ، وَالتَّبْذِيرِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ السُّفَهَاءِ، وَبَيَانِ غَائِلَتِهِ وَسُوءِ مَغَبَّتِهِ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَنَافِعَكُمْ وَمَرَافِقَكُمُ الْخَاصَّةَ وَمَصَالِحَكُمُ الْعَامَّةَ لَا تَزَالُ قَائِمَةً ثَابِتَةً مَا دَامَتْ أَمْوَالُكُمْ فِي أَيْدِي الرَّاشِدِينَ الْمُقْتَصِدِينَ مِنْكُمُ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ تَثْمِيرَهَا وَتَوْفِيرَهَا، وَلَا يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَ الْمَصْلَحَةِ فِي إِنْفَاقِ مَا يُنْفِقُونَهُ مِنْهَا، فَإِذَا وَقَعَتْ فِي أَيْدِي السُّفَهَاءِ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يَتَجَاوَزُونَ الْحُدُودَ الْمَشْرُوعَةَ، وَالْمَعْقُولَةَ يَتَدَاعَى مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ سَالِمًا، وَيَسْقُطُ مَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ قَائِمًا، فَهَذَا الدِّينُ هُوَ دِينُ الِاقْتِصَادِ وَالِاعْتِدَالِ فِي الْأَمْوَالِ كَالْأُمُورِ كُلِّهَا ; وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللهُ - تَعَالَى - الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>