رَبَّهُ فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ، فَلَمَّا طُعِنَ دَعَا بِالْكَتِفِ، فَمَحَاهَا ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ كَتَبْتُ كِتَابًا فِي الْجَدِّ، وَالْكَلَالَةِ، وَكُنْتُ أَسْتَخِيرُ اللهَ فِيهِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ. فَلَمْ يَدْرُوا مَا كَانَ فِي الْكَتِفِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ غَرِيبِةٌ فِي مَعْنَاهَا. فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ لَمْ يَشْتَبِهْ فِيهِ مَنْ دُونَ عُمَرَ، وَلَا مَنْ فِي طَبَقَتِهِ، وَلِلَّهِ فِي الْبَشَرِ شُئُونٌ، وَقَلَّمَا تَقْرَأُ تَرْجَمَةَ رَجُلٍ عَظِيمٍ إِلَّا وَتَجِدُ فِيهَا أَنَّهُ انْفَرَدَ بِشَيْءٍ غَرِيبٍ فِي بَابِهِ.
إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَنْزَلَ آيَتَيْنِ فِي الْكَلَالَةِ: الْآيَةُ الَّتِي نُفَسِّرُهَا، وَالْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَرِثُهُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ مِنَ الْكَلَالَةِ فَقَطْ لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ إِلَى بَيَانِ مَا يَأْخُذُهُ إِخْوَةُ الْعَصَبِ، وَكَأَنَّهُ وَقَعَ
بَعْدَ ذَلِكَ إِرْثُ كَلَالَةٍ فِيهِ إِخْوَةُ عَصَبٍ، وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى الَّتِي فِي آخِرِ السُّورَةِ الَّتِي جَعَلَتْ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ النِّصْفَ إِذَا انْفَرَدَتْ، وَلِلْأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ الثُّلُثَيْنِ، وَلِلْأَخِ فَأَكْثَرَ كُلَّ التَّرِكَةِ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [٤: ١٧٦] فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - هُنَا: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ يَعْنِي بِهِ الْأَخَ، أَوِ الْأُخْتَ مِنَ الْأُمِّ فَقَطْ ; لِأَنَّ الْأَخَوَيْنِ مِنَ الْعَصَبِ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَهُمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ; وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ فَرْضَ الْأُمِّ، فَإِنَّهُ إِمَّا السُّدُسُ، وَإِمَّا الثُّلُثُ، وَاسْتَدَلَّ الْمُفَسِّرُونَ علىْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ بِزِيَادَةِ " مِنَ الْأُمِّ "، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِزِيَادَة " مِنْ أُمٍّ " وَقَالُوا: إِنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ أَيْ غَيْرَ الْمُتَوَاتِرَةِ تُخَصِّصُ ; لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ أَحَادِيثِ الْآحَادِ. وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ قِرَاءَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ سَمِعَهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْهُمَا فَظَنُّوا أَنَّ كَلِمَةَ: " مِنَ الْأُمِّ " قِرَاءَةٌ، وَأَنَّهُمَا يَعُدَّانِهَا مِنَ الْقُرْآنِ. وَأَرَى أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الصَّحَابِيُّ هُوَ الَّذِي قَصَدَ التَّفْسِيرَ بِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي تَلَقَّى ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي قَصَدَ التَّفْسِيرَ فَظَنَّ الصَّحَابِيُّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقُرْآنَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَالِيَةُ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَلَا دَخْلَ هَاهُنَا لِلَفْظِ الرَّاوِي فِي التَّرْجِيحِ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْأَحَادِيثَ بِالْمَعْنَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ يَأْخُذُ فِي الْكَلَالَةِ السُّدُسَ، وَكَذَلِكَ الْأُخْتُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَلَّ مَحَلَّ أُمِّهِ فَأَخَذَ نَصِيبَهَا. وَإِذَا كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ أَخَذُوا الثُّلُثَ وَكَانُوا فِيهِ سَوَاءً لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ، وَفِيهِ قِرَاءَةُ " يُوصَى " بِفَتْحِ الصَّادِ، وَكَسْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ هَؤُلَاءِ كَغَيْرِهِمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute