إِذَا كُنْتَ جَائِعًا وَلَمْ تَجِدْ إِلَّا طَعَامًا أَخْبَرَكَ رَجُلٌ يَهُودِيُّ لَا تَثِقُ بِرِوَايَتِهِ فِي أَخْبَارِهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ، أَفَلَا تَبْنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَتَتْرُكُ الْأَكْلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ؟ بَلْ إِنَّكَ لَتَقُولُ: إِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَلَا أُعَرِّضُ نَفْسِي لِلْهَلَاكِ بِهَذَا الطَّعَامِ! وَقَدْ أَخْبَرَكَ النَّبِيُّ الْمَعْصُومُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ بِأَنَّ هَذِهِ الذُّنُوبَ سُمُومٌ مُهْلِكَةٌ لِلْأَرْوَاحِ مُفْضِيَةٌ إِلَى سُخْطِ اللهِ، وَعَذَابِهِ، فَكَيْفَ تَدَّعِي الْإِيمَانَ بِهِ، وَالْجَزْمَ بِصِدْقِهِ، وَأَنْتَ تَجْعَلُ
خَبَرَهُ دُونَ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي تَجْزِمُ بِعَدَمِ عَدَالَتِهِ! ؟ وَفِي هَذَا الْمَقَامِ يَذْكُرُ حَدِيثَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ إلخ. أَيْ إِنَّ هَذَا الْإِيمَانَ الْخَاصَّ لَا يَكُونُ مُلَابِسًا التَّلَبُّسَ حِينَ التَّلَبُّسِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا عَادَ إِلَيْهَا بَعْدَ الْعَمَلِ تَأَلَّمَتْ فَبَعَثَهَا الْأَلَمُ عَلَى التَّوْبَةِ، كَمَا حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ، وَكَوْنِهَا مُرَكَّبَةً مِنْ عِلْمٍ وَحَالٍ وَعَمَلٍ: الْعِلْمُ يُوجِبُ الْحَالَ، وَالْحَالُ تُوجِبُ الْعَمَلَ، أَيْ إِنَّ الْعِلْمَ بِحُرْمَةِ الذَّنْبِ، وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ يُحْدِثُ فِي النَّفْسِ حَالًا مُؤَثِّرَةً تَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ بِتَرْكِ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْوَاجِبِ إِلَى آخِرِ مَا حَقَّقَهُ، وَبَيَّنَهُ بِالتَّفْصِيلِ فَيُرَاجَعُ فِي كِتَابِ التَّوْبَةِ مِنْ أَوَّلِ الْجُزْءِ الرَّابِعِ مِنَ الْإِحْيَاءِ.
قَالَ - تَعَالَى -: أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا أَيْ أُولَئِكَ الْفَرِيقَانِ الْبَعِيدَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفِطْرَةِ، وَهِدَايَةِ الشَّرِيعَةِ، الْمُسْتَعْبَدَانِ لِسُلْطَانِ الشَّهْوَةِ وَشَيْطَانِ الرَّذِيلَةِ، قَدْ أَعْتَدْنَا، وَهَيَّأْنَا لَهُمْ عَذَابًا مُؤْلِمًا فِي دَارِ الْجَزَاءِ بِمَا قَدَّمُوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي دَارِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ إِصْرَارَهُمْ عَلَى السَّيِّئَاتِ إِلَى أَنْ وَافَاهُمُ الْمَمَاتُ قَدْ دَسَّى نُفُوسَهُمْ، وَأَفْسَدَ قُلُوبَهُمْ، فَصَارُوا مِنَ التُّحُوتِ، تَهْبِطُ خَطَايَاهُمْ بِأَرْوَاحِهِمْ إِلَى هَاوِيَةِ الْهَوَانِ. وَتَعْجَزُ عَنِ الْعُرُوجِ إِلَى فَرَادِيسِ الْجِنَانِ، وَمَعَاهِدِ الْكَرَامَةِ وَالرِّضْوَانِ.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute