أَمْ سَعِيدًا، مُؤْمِنًا، أَمْ كَافِرًا! ! فَلَعَنَ اللهُ الزُّنَاةَ، مَا أَعْظَمَ شَرَّهُمْ فِي جَمَاعَةِ الْبَشَرِ، وَلَعَنَ اللهُ الزَّوَانِيَ مَا أَكْثَرَ شَرَّهُنَّ وَأَعْظَمَ بُهْتَانَهُنَّ، فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَتَحْمِلُ مَا لَا يَحْمِلُهُ مَنْ يَفْجُرُ بِهَا مِنَ الْعَنَاءِ وَالشَّقَاءِ وَتَوْبِيخِ الضَّمِيرِ، فَهُوَ يَسْفَحُ مَاءً لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ وَرَاءَهُ، وَهِيَ الَّتِي تَعَلَّقُ بِهَا الْمُصِيبَةُ فَتُعَانِي مِنْ أَثْقَالِ حَمْلِهَا مَا تُعَانِي، ثُمَّ تُلْقِي حَمْلَهَا عَلَى فِرَاشِ زَوْجِهَا وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْسَى طُولَ الْحَيَاةِ أَنَّهَا أَلْقَتْ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا بُهْتَانًا افْتَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَتْهُ مِنْ حُقُوقِ عَشِيرَتِهِ مَا لَيْسَ لَهُ، أَوْ تُلْقِيهِ إِلَى يَدِ غَيْرِهَا، وَقَلْبُهَا مُعَلَّقٌ بِهِ قَلِقٌ عَلَيْهِ لَا يَسْكُنُ لَهُ اضْطِرَابٌ إِلَّا أَنْ يَسْلُبَهَا الْفِسْقُ أَفْضَلَ عَاطِفَةٍ، وَشُعُورٍ تَتَحَلَّى بِهِمَا الْمَرْأَةُ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَسْتَعْمِلُ الْأَدْوِيَةَ الْمَانِعَةَ مِنَ الْحَمْلِ، فَتَضُرُّ نَفْسَهَا وَرُبَّمَا أَفْسَدَتْ رَحِمَهَا.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْحَوَاشِي الْقَرِيبَةُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَأَخَوَاتُكُمْ سَوَاءٌ كُنَّ شَقِيقَاتٍ لَكُمْ، أَوْ كُنَّ مِنَ الْأُمِّ وَحْدَهَا، أَوِ الْأَبِ وَحْدَهُ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْحَوَاشِي الْبَعِيدَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْحَوَاشِي الْبَعِيدَةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَأَوْلَادُ الْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَعَمَّةُ جَدِّهِ، وَخَالَتُهُ، وَعَمَّةُ جَدَّتِهِ، وَخَالَاتُهَا لِلْأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، إِذِ الْمُرَادُ بِالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَاتِ الْإِنَاثُ مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِيَّةِ، وَمِنْ جِهَةِ الْخُئُولَةِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ: الْحَوَاشِي الْبَعِيدَةُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْوَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَيْ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ التَّالِيَةِ:
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا حَرُمَ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعَةِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ كَالنَّسَبِ بَيَّنَهَا - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَسَمَّى الْمُرْضِعَةَ أُمًّا لِلرَّضِيعِ، وَبِنْتَهَا أُخْتًا لَهُ، فَأَعْلَمَنَا بِذَلِكَ أَنَّ جِهَةَ الرَّضَاعَةِ كَجِهَةِ النَّسَبِ تَأْتِي فِيهَا الْأَنْوَاعُ الَّتِي جَاءَتْ فِي النَّسَبِ كُلُّهَا، وَقَدْ فَهِمَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَمَّا أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ عَمِّهِ حَمْزَةَ، أَيْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَيَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ وَفِي صَحِيحِهِمَا أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: ائْذَنِي لِأَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ فَإِنَّهُ عَمُّكِ وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ أَرْضَعَتْ عَائِشَةَ. وَعَلَى هَذَا جَرَى جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، فَجَعَلُوا زَوْجَ الْمُرْضِعَةِ أَبًا لِلرَّضِيعِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُصُولُهُ، وَفُرُوعُهُ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ ; لِأَنَّهُ صَاحِبُ اللَّقَاحِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ اللَّبَنِ الَّذِي تَغَذَّى مِنْهُ أَيِ الرَّضِيعُ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ جَارِيَتَانِ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute