للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَارِيَةً (أَيْ بِنْتًا) ، وَالْأُخْرَى غُلَامًا، أَيَحِلُّ لِلْغُلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْجَارِيَةَ؟ " قَالَ: لَا! اللَّقَاحُ وَاحِدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَلَوْلَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمَا فَهِمْنَا مِنَ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ التَّحْرِيمَ خَاصٌّ بِالْمُرْضِعَةِ، وَيَنْتَشِرُ فِي أُصُولِهَا، وَفُرُوعِهَا لِتَسْمِيَتِهَا أُمًّا، وَتَسْمِيَةِ بِنْتِهَا أُخْتًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا أَبًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ تَحْرُمَ جَمِيعُ فُرُوعِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ عَلَى ذَلِكَ الرَّضِيعِ، كَمَا أَنَّ تَسْمِيَةَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأُمَّهَاتِ فَالتَّسْمِيَةُ يُرَاعَى فِيهَا الِاعْتِبَارُ

الَّذِي وُضِعَتْ لِأَجْلِهِ، وَمَنْ رَضَعَ مِنِ امْرَأَةٍ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جُزْءًا مِنْهُ ; لِأَنَّهُ تَكَوَّنَ مِنْ لَبَنِهَا فَصَارَتْ فِي هَذَا كَأُمِّهِ الَّتِي وَلَدَتْهُ، وَصَارَ أَوْلَادُهَا إِخْوَةً لَهُ ; لِأَنَّ لِتَكْوِينِ أَبْدَانِهِمْ أَصْلًا وَاحِدًا هُوَ ذَلِكَ اللَّبَنُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَظْهَرُ فِي أَوْلَادِ زَوْجِهَا مِنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى إِلَّا مِنْ بَعْدُ، بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ بِلَقَاحِهِ سَبَبًا لِتَكَوُّنِ اللَّبَنِ فِي الْمَرْأَتَيْنِ قَدْ صَارَ أَصْلًا لِأَوْلَادِهِمَا، إِذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءٌ مِنْ لَقَاحِهِ تَنَاوَلَهُ مَعَ اللَّبَنِ فَاشْتَرَكَا فِي سَبَبِ اللَّبَنِ، أَوْ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنَ اللَّبَنِ الَّذِي تَكَوَّنَ بَعْضُ بَدَنِهِمَا مِنْهُ فَكَانَا أَخَوَيْنِ لَا يَحِلُّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا، وَالْآخَرُ أُنْثَى ; وَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا فِيمَا سَبَقَ: إِنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعَةِ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ بِنْتِ الزِّنَا عَلَى وَالِدِهَا بِالْأَوْلَى.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مِنْ جِهَةِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ دُونَهَا. فَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. قَالَتْ زَيْنَبُ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ مِنْ قُرُونِ رَأْسِي وَيَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ فَحَدِّثِينِي، أَرَى أَنَّهُ أَبِي، وَمَا وُلِدَ مِنْهُ فَهُمْ إِخْوَتِي، إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَيَّ يَخْطُبُ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَتِي عَلَى حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ حَمْزَةُ لِلْكَلْبِيَّةِ، فَقُلْتُ لِرَسُولِهِ: وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ، وَإِنَّمَا هِيَ ابْنَةُ أُخْتِهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّمَا أَرَدْتُ بِهَذَا الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِكِ، أَمَّا مَا وَلَدَتْ أَسْمَاءُ فَهُمْ إِخْوَتُكِ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَيْسُوا لَكِ بِإِخْوَةٍ، فَأَرْسِلِي فَاسْأَلِي عَنْ هَذَا، فَأَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ - وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَافِرُونَ - فَقَالُوا لَهَا: إِنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ لَا تُحَرِّمُ شَيْئًا. فَأَنْكَحَتْهَا إِيَّاهُ فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ عَنْهَا، " قَالُوا: وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِيَ الْقَوْلُ بِهَذَا - أَيْ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ - عَنِ الزُّبَيْرِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، فَالْمَسْأَلَةُ لَمْ تَكُنْ إِجْمَاعِيَّةً. وَقَدْ حَمَلَ الْجُمْهُورُ قَوْلَ الْمُخَالِفِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُصُولِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ إِلَيْهِمْ فِيهِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ لِقِيَامِ مَا يُعَارِضُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَهُمْ، وَيُقَالُ عَلَى الْأَوَّلِ: إِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَعَلَى

الثَّانِي إِنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْهُمْ عَارَضَتْهُ عِنْدَنَا النُّصُوصُ الظَّاهِرَةُ، وَمَتَى ثَبَتَتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ امْتَنَعَ الْعُدُولُ عَنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>